ملف تشغيل الباحثين

ملف تشغيل الباحثين

 

 

خالد بن سعد الشنفري

التوجيهات السامية السارّة خلال اجتماع مجلس الوزراء بقصر المعمورة العامر في ولاية صلالة الأسبوع الماضي، حملت في طياتها هذه المرة إشارات كثيرة تعتبر على رأس أولويات واهتمامات المواطن، وعكست بشرى لدى قطاعات عريضة منهم وفي جوانب كثيرة مُهمة يصبون لتحقيقها، ويأتي ذلك بعد أن حقق برنامج خطة التوازن المالي (2021- 2024) المرجو منه.

وقد أشاد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بالنتائج التي كانت مرجوة من ذلك، وتحققت، ويأمل المواطن- الذي تحمّل الجزء الأكبر من نجاح برنامج التوازن المالي- حصول انفراجات في كثير من هذه الجوانب التي شملتها خطة البرنامج.

نتطرق هنا لأهم المواضيع التي طرحت ألا وهو ملف تشغيل الباحثين عن عمل، الذي أكد مجلس الوزراء أنَّه يُعد من أهم وأولى الأولويات الوطنية. والتوجيهات السامية في هذا السياق بتخصيص مبلغ 50 مليون ريال إضافية لدعم برامج ومسارات تشغيل الباحثين في القطاع الخاص إضافة إلى نسبة 1.2% من قيمة فواتير مشتريات الوحدات الحكومية ومشتريات كل من قطاعات النفط والغاز وشركات جهاز الاستثمار، ما هي إلّا مؤشرات لما سيأتي بعدها تباعًا وعمّا قريب بإذن الله تعالى.

لقد أصبح ملف تشغيل الباحثين مُثقلًا بما يزيد عن 100 ألف باحث عن عمل، بعد تراكمه لسنوات، ومعظم هؤلاء من خريجي الجامعات والكليات المختلفة من أصحاب التخصصات المختلفة، الذين أُنفقت عليهم المليارات في مراحل تعليمهم المختلفة، وبذلك يجب النظر إليها ليس من مجرد خلق فرص عمل مؤقتة لهم؛ بل باعتبارهم ثروة بشرية يجب الاستفاده منها وتسخير كل السبل لذلك، بإنفاق المزيد من الأموال وتبنِّي خطط مماثلة لخطة التوازن المالي.

إن مقولة “الإنسان هو أساس التنمية” أثبتت جدواها بجلاء من خلال تجربتنا الوطنية، وتكفي نظرة سريعة إلى التراجع الكبير في أعداد الوافدين الذين كانوا يشغلون معظم الوظائف الحكومية (وتحويلاتهم للخارج بالملايين شهريًا)، وفي كافة إدارتنا الحكومية في فترات السبعينيات والثمانينيات وردحًا من تسعينيات القرن الماضي؛ حيث لم يكن قد توفرت لدينا مخرجات تعليمية كافية من أبنائنا لشغل هذا الفراغ، ونُجزمُ هنا بأن مخرجات الاستثمار التعليمي الآن قد آتت أُكلها، ويجب علينا السعي جاهدين لعدم تحول الباحثين إلى طاقات مُهدرة، بل النظر إليها باعتبارها نِعمًا. لقد أصبح أبناؤنا من هذه المخرجات يتولون اليوم زمام الأمور وأجادوا وأبدعوا في شغل أدق وأهم الوظائف ليس في الجهاز الحكومي وأذرعه الاستثمارية؛ بل وفي الشركات الناجحة الكبرى التي أصبحت جميعها تُدار وتشغل بأيدٍ عمانية كُفؤة بكل إبداع وإجادة.

ومن هذا المنطلق وفي ظل النتائج الإيجابية لخطة التوازن المالي، نأمل بدء الإسراع في تخصيص مبلغ مالي في حدود 150 ريالًا، لكل باحث عن عمل؛ فالأب المتقاعد والذي أُثقل كاهله طوال السنوات الماضية، يعِزُ على نفس ابنه- ومنهم من ناهز الثلاثين من العمر- أن يطلب مصاريفه من أبيه، وهذا المبلغ المقترح يُشكل حماية اجتماعية للشباب، على أن نعتبره ضمن منظومة الحماية الاجتماعية المباركة التي توجهنا إليها مؤخرا بشمولية أكثر، خاصة وأن أبناءنا الباحثين في أمسِّ الحاجة إليها من حكومتهم وبلدهم؛ لتحميهم من أمور كثيرة، ولكي لا ينجروا- لا سمح الله- لأيٍ منها، تحت وطأة وضعهم هذا، والتي أصبح الجميع من أُسر ومُجتمع يعي ويُعاني من الكثير منها ومعروفة لنا جميعًا.

من جانب آخر، لقد أصبحت لدينا أذرع استثمارية حكومية كبيرة، واستثماراتها بالمليارات في الخارج والداخل، ونتمنى توجيهها للاستثمار في الداخل في مشاريع تكون طويلة الأمد لا تسعى لمجرد الربح السريع، وتستوعب مع الوقت أعدادًا كبيرة من الباحثين الحاليين والمستقبليين، الذين نغفل أمرهم للأسف اليوم، إذا لم نخطط لاستيعابهم من الآن، في ظل تزايد مخرجات جامعاتنا وكلياتنا التخصصية بمختلف تخصصاتها.

وفَّقنا الله جميعًا لما فيه الخير والسداد لمصلحة الوطن.

ملحوظة: مصدر الخبر الأصلي هو جريدة الرؤية العمانية