موسم الصرب.. بين جمال الطبيعة وحياة الإنسان

موسم الصرب.. بين جمال الطبيعة وحياة الإنسان

 

د. سالم بن عبدالله العامري

تُعد مُحافظة ظفار الواقعة في الجنوب الغربي من سلطنة عُمان إحدى الظواهر الطبيعية في شبه الجزيرة العربية، وتمتاز بتنوع مناخي فريد يمنحها طابعًا مختلفًا مُقارنة ببقية المناطق المجاورة.

ومن بين الظواهر الموسمية التي تضفي على محافظة ظفار بريقًا خاصًا وتربط بين الإنسان والطبيعة هو موسم الصرب… هذا الموسم الذي يأتي بعد انتهاء فصل الخريف، ويمتد من أواخر سبتمبر إلى نهاية ديسمبر، يمنح ظفار مشهدًا بديعًا وساحرًا، حيث تتزين الأرض بملامح جديدة وتعود الحياة إلى الطبيعة بطريقتها الخاصة، وعلى الرغم من أن موسم الخريف هو الأكثر شهرة سياحيًا في ظفار بسبب هطول الأمطار الموسمية وانتشار الضباب الكثيف وانخفاض درجات الحرارة في عموم سهول وجبال ظفار، إلا أن موسم الصرب هو نجم مواسم السنة بلا منازع حيث يتربع على عرش فصول العام بما يحمله من تأثيرات مناخية واجتماعية تُعيد تشكيل وجه الحياة في هذه المحافظة.

تتحول جبال ظفار- التي تعد القلب النابض للمحافظة- إلى لوحة فنية طبيعية خلال موسم الصرب تجمع بين سحر الجبال وروعة السهول؛ حيث تُغطى باللون الأخضر الزاهي وتنتشر فيها النباتات العطرية، والأشجار المختلفة، والأزهار المتنوعة، علاوة على الأودية التي تتدفق مياهها بهدوء عبر الهضاب والسهول، وتتجلى خصوبة الأرض بأبهى صورها لتصبح مكانًا مثاليًا للتنزه واستكشاف الطبيعة الساحرة؛ إذ يمكن رؤية السهول والمراعي الممتدة على مد البصر، والتي تبدو وكأنها تفيض بالحياة، مما يشكل مشهدًا ريفيًا هادئًا يستحضر في النفس السلام النفسي والتوازن العميق تجاه مجريات الحياة والمشاعر والأفكار.

وفي زاوية أخرى، تُضيف الشواطئ الرملية الممتدة على طول ساحل ظفار جمالًا إضافيًا خلال موسم الصرب؛ حيث صفاء السماء الذي ينعكس على زرقة مياه البحر، وهدوء الأمواج ، وهبوب نسمات الهواء العليل، الشيء الذي يجعل الشواطئ ملاذًا لقضاء أوقات ممتعة ومكانًا مثاليًا للاسترخاء والاستمتاع بالطبيعة ووجهة مثالية لمحبي الطبيعة والتصوير، كما يتجلى التنوع الحيوي الذي تتمتع به محافظة ظفار بشكل رائع خلال هذه الفترة، حيث عودت الطيور المهاجرة إلى موطنها، وظهور الحيوانات البرية التي تستفيد من وفرة الأعشاب والمرعي الذي توفره الأرض بعد موسم الخريف.

ولموسم الصرب أيضًا انعكاساته على الحياة الاجتماعية والثقافية لسكان محافظة ظفار، فهو موسمٌ يُعيد التوازن إلى حياة الناس بعد أشهر الخريف الماطرة، ويُعد وقتًا مثاليًا لاستئناف الأنشطة الاجتماعية التي ربما تأثرت بالأجواء الخريفية التي تسود المحافظة خلال موسم الخري؛ إذ يعد موسم الصرب وقتًا مثاليًا لجني المحاصيل التي زُرعت خلال موسم الخريف، والتي تسهم بلا شك في تنوع ورفد الاقتصاد المحلي وتعزيزه، وبالنسبة للرعاة ومربي الماشية، فإن موسم الصرب يعد بمثابة فترة ازدهار الغطاء النباتي الذي ينمو خلال موسم الخريف ويصبح في أوج نموه مما يوفر مراعي خصبة للماشية لتصبح المنطقة مكانًا مفضلًا للرعاة خصوصًا ملاك الإبل؛ حيث يبدأ ما يسمى (خَطِيلُ الإبل)، الذي يبدأ سنويًّا بعد نهاية موسم الخريف؛ إذ يحرص ملّاك الإبل بجبال ظفار على نقل إبلهم في مجموعات من السهول أو من مناطق خلف الجبال “القطن” إلى المراعي التي تعذر رعيها والوصول إليها بسبب الأمطار الغزيرة والضباب الكثيف وإنزلاق التربة في أشهر الخريف.

وفي الختام.. إنَّ موسم الصرب في ظفار ليس مجرد فترة مناخية عابرة؛ بل هو جزء من نسيج الحياة المحلية، حيث يتفاعل الإنسان مع الطبيعة بتناسق وتناغم، إنه فترة تتجلى فيها معاني التوازن البيئي والاجتماعي؛ حيث تتحد عوامل الطبيعة لتمنح الإنسان في ظفار فترة من التحول والتجدد يجلب معه الأمل والطاقة الإيجابية، ويدعوه إلى التفاعل مع الطبيعة والاستمتاع بجمالها، لتعيد تشكيل دورة الحياة الطبيعية في هذه المنطقة الفريدة.. في هذا الموسم تمنح الطبيعة الزائرين فرصة للاستمتاع بجمالها النقي والبكر بعيدًا عن صخب المدن، إنه موسم يعكس التناغم بين الإنسان والطبيعة، ويجعل من محافظة ظفار وجهة استثنائية فريدة تستحق الزيارة في كل موسم.

ملحوظة: مصدر الخبر الأصلي هو جريدة الرؤية العمانية