“المعلم المؤثر”.. هل هو بيننا؟

“المعلم المؤثر”.. هل هو بيننا؟

 

جابر حسين العُماني

[email protected]

 

المتأمل في أحوال التعليم في عالمنا العربي والإسلامي يعلم جيدا ما آل إليه التعليم من تراجع في جودته، إلّا أن ذلك لا يعني أن أوطاننا العربية لا تمتلك الطاقات التعليمية المخلصة لوطنها؛ بل على العكس تمامًا، فهناك من المعلمين والمعلمات من إذا وُضِعُوا على الجروح أبروها، أولئك هم أصحاب الكفاءات العلمية العالية في التأثير والإلهام والصبر والأمانة والنصح ورعاية الأجيال وحفظها من الضياع، والمعلم المخلص والمؤثر هو ذلك الإنسان الذي لا يقبل لنفسه إلا أن يكون معلما محترفا في مواطن عمله المختلفة.

عندما نريد الحديث عن المعلم المؤثر، فنحن لا نتحدث عن شخصية عادية جاءت إلى عالمنا العربي والإسلامي صدفة، بل نتحدث عن شخصية عظيمة عرفت بوفائها وإخلاصها وتفانيها من أجل صناعة الإنسان وتنظيم أفكاره وسلوكه وأخلاقه، والأخذ بيده نحو حياة أفضل وأجمل وأكمل.

واليوم ومن أجل نجاح العملية التعليمية في أوطاننا العربية والإسلامية لابد من السعي الجاد لزيادة تواجد أولئك المعلمين المؤثرين، الذين هم على قدر عال من الامكانيات التربوية والتعليمية، التي تؤهلهم لتربية وتعليم الأجيال، واعدادها، والأخذ بأيديها نحو الكمالات الأسرية والاجتماعية، وذلك لخلق مجتمع قوي متماسك ومترابط باتحاد أفراده، مُتحررًا من ظلمات الجهل والتجهيل، والضلال والتضليل.

 ومن أجل تحقيق ذلك لابد من التعرف جيدا إلى صفات المعلم المؤثر، وهو ذلك الإنسان الذي يمتلك الكثير من الصفات الرائعة التي تؤهله بأن يكون إنسانًا واعيًا ومحبوبًا بين الناس، وذلك من خلال الاهتمام بتطوير نفسه وغيره.

 وهنا نتعرض إلى ذكر شيء من صفات وسمات المعلم المؤثر، وهي كالآتي:

أولًا: الصبر: وهو من أهم أدوات التأثير البشري على الغير؛ إذ يساعد (الصبر) على تحمل الظروف الحياتية بأنواعها واختلافها. والمعلم المؤثر هو ذلك الإنسان الصبور على أخطاء من حوله من الطلاب والطالبات، وأولياء الأمور، ومن يعملون معه في السلك التعليمي، وذلك حرصًا منه على تعليم العلم النافع، وإيصال الفكر الناضج إلى طلابه بمختلف أجناسهم وألوانهم وإمكانياتهم وقدراتهم ومهاراتهم الحياتية المختلفة.

ثانيًا: مُحبًا لطلابه: وهو المعلم الإنسان الذي يمتلك العاطفة الرائعة التي تجعله محبا لطلابه متابعا لهم، حنونا عليهم، سائلا عن أحوالهم، ومن الطبيعي جدا إن الطالب عندما يشعر بحب معلمه له، واحترامه وتقديره في الفصول الدراسية، حتما سيبادله الشعور نفسه، مما يجعل من الطالب محبًا للعلم والمعلم بل وللمادة التي يحضرها مع المعلم المؤثر.

ثالثًا: الحزم: وهو من إحدى أهم الموارد التأثيرية في شخصية المعلم المؤثر، وذلك أن الطالب عندما يشعر بحب المعلم ويشعر كذلك بحزمه المستمر، بهدف مصلحة الطالب وتحذيره من عواقب الفشل، والطلب المستمر من الطالب لبذل المزيد من الجهد، والسعي لتحقيق النجاح بخطى ثابته وموفقة، وهنا من الطبيعي جدا أن المعلم المؤثر هو من يطمح من طلابه أن يكونوا أفضل منه في الأماكن العلمية والعملية، بحيث يهيئهم ويعدهم أن يكونوا أصحاب همم وطموح واسع ورغبة كبيرة للإنجاز والنجاح، وذلك من خلال غرس الهمة العالية في نفوسهم لتحقيق المستقبل المشرق.

رابعًا: أن يكون شغوفا: وهي من أهم الصفات الضرورية التي ينبغي أن يتحلى بها المعلم المؤثر، وبدون ذلك لا يستطيع تطوير نفسه، وشغف المعلم يعني حب المعلم للتربية والتعليم وتطبيقهما على الطلبة والطالبات، وذلك من خلال اتقان توصيل المنهج التعليمي بمختلف الوسائل التعليمية المحبوبة للطلبة والطالبات، وذلك حتى يتمكن الطلاب من استيعاب المادة العلمية المطلوبة منهم أولا، وثانيا أن يكتسبوا الشغف كمعلمهم ويكونوا محبين للمعرفة والعلم، ومؤهلين لنقل المجتمع من ظلمات الوهم إلى نور الفهم.

خامسًا: فن الابتكار: ومن سمات وصفات المعلم المؤثر ابتكار الأساليب العلمية المناسبة لإيصال المعلومات العلمية إلى طلابه وذلك باختيار أفضل المهارات الأخلاقية والعلمية الجاذبة والتي تجعل من طلابه يتأثرون به بشكل مباشر، بحيث يستطيع أن يخلق منهم مبدعين ومثابرين في تغيير سلوكهم وتوجهاتهم إلى ما هو خير لهم. وأفضل ما يعتمد عليه المعلم في ذلك وقبل كل شيء هو التقرب من طلابه، وإشعارهم باهتمامه لهم حيث أن الدراسات تشير إلى أن شخصية المعلم تؤثر في تحصيل طلابه كما تؤثر في خياراتهم في المستقبل وذلك بمساعدتهم لوضع أقدامهم في بداية الطريق السليم الذي يؤدي بهم إلى النجاح بحيث يكونوا قادرين على استغلال مواهبهم وقدراتهم ليظهر بينهم العالم والمخترع والطبيب والمهندس.

أخيرًا.. نشرت وزارة التربية والتعليم مؤخرا إحصائية تحتوي على أعداد المدارس والطلبة والهيئات التعليمية في مدارس سلطنة عُمان، وذلك في بداية الفصل الدراسي الثاني من عام 2023/ 2024، وجاء في المنشور المعلن أن عدد المعلمين والمعلمات في سلطنة عُمان ناهز 61195، بنسبة تعمين بلغت 87.6%، وهو مؤشر جيد يصب في مصلحة أبناء عُمان الكرام.

لكن السؤال القائم والذي ينبغي طرحه وبقوة، كم هو عدد المعلمين المُؤثِّرين في سلطنة عُمان؟ وهل سعت وزارة التربية والتعليم إلى تنمية مهارات المعلمين بشكل أفضل؟ والاهتمام بهم وبإمكانياتهم وقدراتهم وجعلهم في قائمة المعلمين المؤثرين؟ خصوصا وأن مرتبة “المُعلِّم” ليست بالمرتبة العادية، كما في حديث النبي المُعلِّم صلى الله عليه وآله وسلم: “إِنَّ اَللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضِ حَتَّى اَلنَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى اَلْحُوتَ، لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ اَلنَّاسِ اَلْخَيْرَ”.

ملحوظة: مصدر الخبر الأصلي هو جريدة الرؤية العمانية