كيف يمكن إرضاء سائقي "أوبر" و"ليفت" دون الإخلال بالأسعار؟

كيف يمكن إرضاء سائقي "أوبر" و"ليفت" دون الإخلال بالأسعار؟

لنبدأ بتعريف المشكلة: خاضت شركتا “أوبر” و”ليفت” عدّة مواجهات مع السلطات المحلية والنقابات العمالية على مدى سنين عديدة لتحافظا على تصنيف سائقيهما كمتعاقدين مستقلين، بدل أن يصبحوا موظفين لديهما.

إن تصنيفهم كمتعاقدين يتيح استثناءهم من بعض الحقوق العمالية، مثل الحدّ الأدنى الثابت للأجور والحماية النقابية، في المقابل يُنتظر من شركات النقل التشاركي أن تقدم لهم بعضاً فقط من المزايا التي يحصل عليها الموظفون.

أسفر ذلك عن إحداث مجموعة لا متجانسة من قواعد ولوائح تتباين بشدة من مدينة إلى أخرى، وكذلك بين الولايات. في بعض المناطق، نظّم السائقون احتجاجات ليطالبوا بزيادة أجورهم وبمزايا تُمنح عادة للموظفين بدوام كامل، مثل التأمين الصحي.

وفيما بلغ سهم “أوبر” أعلى سعر له في فبراير، أضرب آلاف السائقين في يوم عيد الحب في 10 مدن رئيسية بالولايات المتحدة احتجاجاً على أجور النقل التشاركي. تلت ذلك مسيرة نحو مكاتب “أوبر” في نيويورك في يوليو نظّمها سائقون يطالبون بفرص أفضل للكسب.

لكن ما إن انقضى أسبوع على ذلك حتى حققت شركات النقل التشاركي انتصاراً مهماً في كاليفورنيا، حيث أيدت المحكمة العليا في الولاية استمرار العمل بقانون يسمى “الاقتراح 22″، وهو يتيح لشركات اقتصاد العمل الحرّ تصنيف العاملين لديها كمتعاقدين مستقلين.

في يونيو، انتهت “أوبر” و”ليفت” من خلاف استمر أربع سنوات في ماساتشوستس من خلال الاتفاق على دفع تسوية قدرها 175 مليون دولار، والاتفاق على دفع 32.50 دولار في الساعة للسائقين مقابل وقت القيادة الفعلي، بالإضافة إلى إجازات مرضية مدفوعة ومخصصات نقدية للتأمين الصحي. وتوصلتا إلى اتفاقيات مشابهة توفر بعض المزايا للسائقين في ولايات أخرى مثل مينيسوتا وواشنطن.

لكن هل من طريقة أفضل؟

الحجج المؤيدة

يعتمد قطاع النقل التشاركي على سائقين يستخدمون سياراتهم الخاصة ويتولون كافة التكاليف الناشئة عن ذلك، ومنها الوقود والتنظيف والصيانة، ناهيك عن المخاطر الشخصية التي يواجهونها أثناء نقل الركاب. يرى ناشطون في مجال حقوق العمال أن زيادة أجور السائقين ليست مجرد ضرورة أخلاقية، بل ستساهم أيضاً في جعل قوة عمل النقل التشاركي أكثر استقراراً وموثوقية، ما يعود بالنفع على السائقين والمستهلكين في آن معاً.

برغم الانطباع النمطي السائد بأن السائقين يمارسون هذا العمل بدوام جزئي أو مؤقت بانتظار العثور على وظيفة أخرى، الواقع هو أن حوالي 19% من سائقي “أوبر” يعملون لأكثر من 35 ساعة أسبوعياً، وهذا عمل بدوام كامل لا يتيح للسائقين مجالاً واسعاً لتغيير ساعات عملهم بما أن بعض الأوقات، مثل ساعات الذروة الصباحية، توفر فرصاً أفضل للكسب.

قالت تيري جيرستين، مديرة “المبادرة العمالية” في جامعة نيويورك واغنر والنائبة السابقة لمفوض وزارة العمل في ولاية نيويورك، إن ما يتعلق بتصنيف سائقي النقل التشاركي كموظفين هو “مسألة أساسية”. تساءلت: “هل الادعاء بأن كل سائق (أوبر) يدير عملاً مستقلاً أمر منطقي؟ هل تعتقدون فعلاً أن كل سائق هو رائد أعمال مستقل؟ قطعاً لا”.

أما ليندسي كاميرون، الأستاذة في كلية “وارتون”، فترى أن هدف “أوبر” على المدى الطويل هو أن تسيطر على السوق لترفع الأسعار في نهاية المطاف. وأشارت كاميرون، التي أدلت بشهادتها كخبيرة في قضية ماساتشوستس، إلى أن “أوبر” كانت تتقاضى أسعاراً أقل من القيمة الحقيقية لخدمتها، وكانت تتخطى ما يجابهها من مصاعب مالية عبر دعم رأس المال الاستثماري. وقد أعلنت الشركة في 2023 عن تحقيق أول ربح سنوي لها منذ طرحها للاكتتاب العام في 2019.

الحجج المعارضة

لا شك في أن رفع أجور السائقين قد يؤدي إلى زيادة تكاليف النقل . لقد كتب رئيس “أوبر” التنفيذي دارا خسروشاهي، في مقال نشرته “نيويورك تايمز” في أغسطس 2020، أن توظيف سائقين بدوام كامل يعني زيادة الأجرة، ما سيؤدي بدوره إلى تقليل عدد الزبائن وبالتالي عدد السائقين.

تقول إيرين هاتون، مؤلفة كتاب (The Temp Economy: From Kelly Girls to Permatemps in Postwar America) وأستاذة علم الاجتماع في جامعة بوفالو: “أعتقد فعلاً أن هذا سيرفع الأسعار على الزبائن بقدر قد يمنعهم من طلب هذه الخدمة”.

في إطار معارضة الجهود الرامية لتصنيف السائقين كموظفين، مثل مشروع القانون رقم 5 المقترح أمام مجلس نواب كاليفورنيا الذي أبطله لاحقاً “الاقتراح 22″، حاججت شركات النقل التشاركي بأن تصنيف السائقين كموظفين دائمين سيؤثر سلباً على مرونة ساعات العمل التي تنفع كثيراً منهم. أظهر استبيان أُعدّ بناء على تكليف من “أوبر” أن 77% من السائقين يعتبرون مرونة جدول العمل أهم من الحصول على المزايا.

في نيويورك، سرّحت شركة “ريفيل ترانزيت” (Revel Transit)، التي تقدم خدمات النقل المشترك عبر سيارات كهربائية في بروكلين، سائقيها في يونيو لتتبنى نموذج عمل قائم على العمل الحر، بحيث يتقاضى السائق أجراً عن كلّ رحلة، بما يشبه نموذج عمل “أوبر” و”ليفت”.

بررت الشركة هذا التغيير بأن”الغالبية العظمى من السائقين طلبوا مزيداً من المرونة”، وأوضحت أن السائقين ستزيد قدرتهم على “التحكم في المكان والزمان الذي يقودون فيه، بالإضافة إلى إمكانية الاستراحة متى يشاؤون وللمدة التي يرغبون بها، ويحصلون على مكافآت أكبر”.

هددت شركات نقل تشاركي فيما مضى بالانسحاب من مناطق حاولت تنفيذ إصلاحات فيما يتعلق بالأجور وغير ذلك من تغييرات في السياسة. شكل هذا عقبةً أمام الحكومات التي تسعى لتنظيم القطاع. في مارس، هددت “أوبر” و”ليفت” بالتوقف عن العمل في مدينة مينيابوليس بعدما حاول مسؤولون محليون رفع أجور السائقين. كما سحبت الشركتان مؤقتاً خدماتهما من أوستن عندما حاولت المدينة إلزام سائقيها بتسجيل بصمات أصابعهم لديها في 2016.

أرضية مشتركة

تطرح التسويات الأخيرة نموذجاً تحت عنوان “المتعاقد المستقل بمميزات إضافية”، وهو نوع من حل وسط تروج له شركات النقل التشاركي مثل “أوبر” و”ليفت” كدليل على حسن النية. ويحافظ هذا النموذج على وضعية السائقين كمتعاقدين مستقلين، لكن مع تقديم مزايا إضافية لهم مثل التغطية الصحية والإجازات المدفوعة.

أعلنت “ليفت” في بيان أنها تلاحظ تحولاً عاماً في النقاش بعد أن كان يتعلق بوجوب تصنيف السائقين كموظفين، ليصبح محوره البحث عن “أفضل طريقة لتصميم الحماية والمزايا بما يتناسب مع طبيعة النقل التشاركي”. يشمل ذلك ضمان استمرار المرونة التي يتمسك بها السائقون. أضافت: “واضح أن العمل الحرّ أصبح جزءاً متأصلاً من هذا القطاع”.

إلى جانب اتفاق التسوية في ماساتشوستس الذي وفر بعضاً من أوسع المزايا المكتسبة حتى الآن، توصلت ولاية مينيسوتا هي الأخرى قبل وقت قصير إلى اتفاق مع “أوبر” و”ليفت”  ينص على دفع 1.28 دولار لكل ميل و31 سنتاً لكل دقيقة يقضيها سائقو الشركتين في نقل الركاب. يضمن هذا الاتفاق، الذي شارف على الانهيار في وقت سابق من العام، تأميناً أفضل على إصابات العمل ويعزز الحماية من التوقف غير المنصف عن “تشغيل” السائق، وهو  مرادف الصرف من الخدمة في لغة قطاع النقل التشاركي.

رغم أن هذه التسويات حسّنت بشكل عام المزايا ومستويات الأجور للسائقين، إلا أنها لم تضمن حداً أدنى فعلياً للأجور. على سبيل المثال، حتى إذا كان السائق في ماساتشوستس أو مينيسوتا يقضي 10 ساعات يومياً على الطريق، فإنه يتقاضى أجراً فقط عن الساعات التي ينقل فيها الركاب أو أثناء التوجه لجلبهم.

تبنت مدينة نيويورك نهجاً مغايراً. فبدل تحديد معدل ثابت للساعات التي يقضيها السائقون في نقل الركاب، كما هو الحال في باقي أنحاء ولاية نيويورك، فهي تقضي يتعويض السائقين باستخدام صيغة معقدة تأخذ بعين الاعتبار كلاً من الساعات النشطة في القيادة والوقت بين الرحلات.

بهيرافي ديساي، رئيسة اتحاد عمال سيارات الأجرة في نيويورك الذي يمثل 28 ألف سائق في المدينة، ومفوض سيارات الأجرة في المدينة ديفيد دوإن بعتبران أن نظام مدينة نيويورك هو الأفضل في البلاد، حسب تصريحاتهما في عدد من المقابلات الإعلامية، وذلك جعل “أوبر” و”ليفت” تحاربان هذا النموذج.

لتجنب الدفع عن الفترات غير النشطة، بدأت شركات النقل التشاركي في الآونة الأخيرة تحظر استخدام السائقين للتطبيق خلال فترات انخفاض الطلب، ما قلل من دخل السائقين بنسبة تصل إلى 50%. يحث اتحاد عمال سيارات الأجرة حالياً المدينة على اتخاذ إجراءات قانونية لوقف هذه الممارسة. قالت ديساي: “كان لدينا نظام ناجح. كنا أقرب لإحداث توازن مما كنا عليه فيما مضى”.

باختصار

المقال يتحدث عن المواجهات المستمرة بين شركات النقل التشاركي مثل “أوبر” و”ليفت” والسلطات المحلية والنقابات العمالية في الولايات المتحدة حول تصنيف سائقيهم كمتعاقدين مستقلين بدلاً من موظفين. هذا التصنيف يتيح للشركات تجنب تقديم بعض الحقوق العمالية كالأجور الثابتة والتأمين الصحي، في مقابل تقديم مزايا محدودة.

ورغم احتجاجات السائقين ومطالباتهم بزيادة الأجور والمزايا، حققت الشركات انتصارات قانونية مثل قانون “الاقتراح 22” في كاليفورنيا. كما أبرمت تسويات مع بعض الولايات مثل ماساتشوستس ومينيسوتا لتقديم مزايا إضافية للسائقين. ومع ذلك، لا تزال هناك خلافات حول تحسين الأجور والشروط العمالية، خاصة في المدن التي تطبق لوائح أكثر صرامة مثل نيويورك.

ملحوظة: مصدر الخبر الأصلي هو صحيفة اقتصاد الشرق