الاحتياطي الفيدرالي في مرمى الساسة لتحركه عشية الانتخابات

الاحتياطي الفيدرالي في مرمى الساسة لتحركه عشية الانتخابات

يفضّل الاحتياطي الفيدرالي أن ينأى عن السياسة لكنه اتخذ لتّوه خطوة جريئة لدعم الاقتصاد قبل بضعة أسابيع من حلول موعد انتخابات حاسمة، لذا فهو بحاجة إلى حظ وافر لتأكيد تحاشيه للسياسة.

كانت وجهة نظر معظم مسؤولي البنك المركزي أن ثمة حجة بيّنة تدعم قرار خفض تكاليف الاقتراض بنصف نقطة مئوية الذي أعلنه الأربعاء الماضي، وكانت تلك خطوة تفوق المعتاد وأتت بعدما تراجع التضخم وفقد سوق العمل شيئاً من زخمه. 

لقد أتى خفض أسعار الفائدة الأول خلال أربع سنوات في توقيت شائك لصانعي السياسة، إذ تزامن مع احتدام سباق انتخابي يبدو ارتباط نتيجته بنظرة الناخبين تجاه الاقتصاد وثيقاً.

بما أن مفاعيل السياسة النقدية غالباً ما تظهر بعد حين، وهو أمر يحب الاحتياطي الفيدرالي أن يذكرنا به دائماً، فإن هذا القرار لن يحدث تغييراً جذرياً في مسار التوظيف والاستثمار قبل الانتخابات المرتقبة في 5 نوفمبر. لكنه قد يسدي دفعة معنوية للأسواق والأميركيين العاديين تصب في مصلحة الديمقراطيين، الذين يأملون بالاستفادة من الأجواء الاقتصادية المتفائلة.

تخوّف من تحيّز سياسي

نبهت كريستينا باراجون سكينر، الأستاذة المساعدة المتخصصة في دراسة البنوك المركزية في كلية وارتون، إلى أن “خفض أسعار الفائدة من شأنه أن يحسِّن الاقتصاد، وقد يبدو لكثير من الناس العاديين، أن الاحتياطي الفيدرالي يحاول تحسين الوضع الاقتصادي قبيل الانتخابات لمساعدة أحد الأطراف على الفوز”.

وقد استجرّت خطوة الاحتياطي الفيدرالي انتقادات، إذ ألمح المرشح الجمهوري دونالد ترمب إلى أن البنك المركزي “يمارس لعبة سياسية”، بيد أن هذا الانتقاد يبدو أقل حدة لدى مقارنته بما جاء على لسانه فيما مضى.

ولم يسلم رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول من هجمات بعض الديمقراطيين، فقد اعتبرت إليزابيث وارن، عضو مجلس الشيوخ عن ماساتشوستس، أن الخفض الكبير في أسعار الفائدة يثبت أن البنك “انتظر طويلاً” قبل أن يقدم دعماً للاقتصاد.

كان يمكن اعتبار هذه الانتقادات من قبيل المناكفات السياسية المعهودة في عام انتخابات لو لم تكن الأضواء مسلطة بشكل غير مسبوق على البنك المركزي. فقد تأخر الاحتياطي الفيدرالي في اتخاذ إجراءات لمواجهة التضخم الناجم عن الجائحة، وهو يحاول الآن دعم سوق العمل دون أن يدفع الأسعار لمزيد من الارتفاع. كل ذلك يأتي فيما أصبحت الاستقلالية التي يعتز بها صانعو السياسات النقدية قضية سياسية محورية، إذ طالبت حملة ترمب بمنح الساسة المنتخبين دوراً في توجيه السياسة النقدية.

توازن دقيق

كما هو الحال في أغلب الانتخابات، انقسمت الآراء حول الاقتصاد بالطريقة المعهودة، فيزعم حزب الرئيس أن الاقتصاد يزدهر، بينما ترى المعارضة أنه يخفق. وقد وجد الحزبان ما يدعم مواقفهما في خطوة الاحتياطي الفيدرالي الأخيرة.

اعتبرت نائبة الرئيس كامالا هاريس، مرشحة الديمقراطيين للرئاسة، أن خفض سعر الفائدة “بشارة للأميركيين”، فيما وصف الرئيس جو بايدن هذه الخطوة باللحظة الهامة، مشيراً إلى أن “التضخم وأسعار الفائدة يتراجعان فيما يحافظ الاقتصاد على قوته”.

على المقلب الآخر، كان لترمب رأي مغاير، فقد قال أمام مجموعة من أنصاره في حانة بمانهاتن: “أعتقد أن هذا مؤشر إلى أن الاقتصاد في حالة شديدة من السوء لدرجة أنهم أقروا تخفيضاً بهذا الحجم، هذا مع افتراض أنهم لا يمارسون لعبة سياسية”.

تميل رؤية الاحتياطي الفيدرالي للتفاؤل. إذ يأمل صانعو السياسات بتحقيق “هبوط سلس” للاقتصاد، وهو إنجاز نادر تسهم فيه زيادة أسعار الفائدة في خفض التضخم إلى المستوى المستهدف دون التسبب في ركود.

لكن يظل المسؤولون في غاية الحذر بشأن المخاطر المحتملة. فإذا بالغوا في خفض معدل الفائدة، قد تتجدد الضغوط التضخمية. وإذا ترددوا في التحرك، قد يرتفع معدل البطالة. بالتالي، يوضح هذا التوازن الدقيق سبب بقاء قرار خفض الفائدة معلقاً حتى اللحظة الأخيرة فيما كانت الأسواق تترقب دون مؤشر على ما ينبغي أن تتوقعه.

تركيز على مصلحة الاقتصاد

يرى راندال كوارلز، الذي عيّنه ترمب في الاحتياطي الفيدرالي وشغل منصب نائب رئيس الرقابة حتى 2021، أن اتخاذ القرارات الصحيحة أساسي للحفاظ على ثقة المواطنين. وقال: “الرأي العام يتقلب، لكن في نهاية المطاف يكون معقوداً على النجاح طويل الأمد لتلك القرارات. لهذا هم يحرصون بشدة على أن تكون قراراتهم مبنية على اعتبارات تكنوقراطية، وليست مدفوعة بأي اعتبارات سياسية”.

باستثناء ما وقع إبان الأزمة المالية عام 2008، لم يُقدم الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة في تاريخ قريب بهذا القدر من الانتخابات الرئاسية منذ الستينيات، وفقاً لأبحاث جوزيف لابتون، خبير الاقتصاد العالمي لدى “جيه بي مورغان تشيس”. مع ذلك، يشير لابتون إلى أن تحركات الاحتياطي الفيدرالي خلال الأشهر الستة التي تسبق أي انتخابات كانت عادةً ما تتوزع تقريباً بالتساوي بين زيادة وتخفيض وثبات في أسعار الفائدة.

وقال: “يكاد الأمر يشبه اتخاذ القرار بالقرعة في كل مرة”. كما أظهر تحليله أن تحركات الاحتياطي الفيدرالي في السنوات الانتخابية مشابهة لطريقة عمله في السنوات العادية، ولا تحيد كثيراً عن “قاعدة تايلور”، التي تحدد مستوى الفائدة المناسب بناءً على التضخم والتوظيف.

لقد شدد باول مراراً على أن الاحتياطي الفيدرالي يركز حصرياً على مصلحة الاقتصاد عند إقرار سياسات، وكرر هذه الرسالة خلال مؤتمر صحفي الأربعاء حين سُئل عن الانتخابات المقبلة.

استقلالية الاحتياطي الفيدرالي

لطالما انتقد ترمب خلال ولايته الأولى باول، وكان هو من عينه رئيساً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، وتساءل ما إذا كان الأجدر أن يقيله. وقد أثار هذا التاريخ تساؤلات حول ما إذا كانت استقلالية بنك الاحتياطي الفيدرالي ستتآكل إن تولى الرئاسة مجدداً، فقد قال مرشح الحزب الجمهوري في أغسطس إنه يعتقد بقوة بأن الرئيس يجب أن يكون له “رأي” في السياسة النقدية.

مع ذلك، يُستبعد أن يكون الكونغرس، حتى لو هيمن عليه الجمهوريون، متحمساً لإجراء تغيير جذري في وضع الاحتياطي الفيدرالي. على سبيل المثال، كان عضو مجلس الشيوخ كيفن كريمر من ولاية داكوتا الشمالية من الجمهوريين الذين انتقدوا البنك المركزي هذا الأسبوع. إذ قال عبر وسائل التواصل الاجتماعي إن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي يدّعون استقلالهم عن السياسة. “كان بإمكانهم الانتظار لتغيير أسعار الفائدة إلى ما بعد الانتخابات”.

مع ذلك، أشار كريمر في مقابلة هذا الشهر أنه يختلف مع ترمب حول استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، وأنه يعتقد بوجوب “الحفاظ عليها بشكل مطلق”. كما انتقد كريمر، وهو عضو في لجنة المصارف بمجلس الشيوخ، البنك المركزي بشأن قضية أخرى خلال تلك المقابلة، فقد قال إن باول دعا الكونغرس لتقديم دعم مالي قوي في بداية الجائحة لكنه رفض لاحقاً إبداء رأيه عما إذا كانت حوافز إدارة بايدن قد ساهمت في زيادة التضخم. وقال: “لقد خسر ثقتي”.
ودفعت عدة أحداث مثيرة للجدل خلال السنوات الماضية بالجمهوريين والديمقراطيين إلى زيادة التدقيق في الاحتياطي الفيدرالي، وشمل ذلك تداولات غير ملائمة من بعض صانعي السياسات خلال الجائحة والإخفاقات الإشرافية التي أدت إلى انهيار بنك “سيليكون فالي”.

حتى الآن، ما يزال باول، الذي تنتهي ولايته عام 2026 يحظى بقدر كبير من الدعم في الكونغرس من مشرعين من كلا الحزبين برغم هذه الانتقادات.

مع ذلك، أشار إيرني تيدسكي، الخبير الاقتصادي الذي عمل في البيت الأبيض خلال إدارة بايدن، إلى أن “الاحتياطي الفيدرالي أصبح أكثر انكشافاً من ناحية سياسية عما كان عليه طيلة عقود”. أضاف: “إن تمكنوا من الهبوط بنجاح، فإن تأخر استجابتهم الأولية لن يؤثر كثيراً. لكن إن أخفقوا، سيصبح ذلك درساً تحذيرياً من حيث جوانب عدة. لذا فإنه رهان واسع”.

ملحوظة: مصدر الخبر الأصلي هو صحيفة اقتصاد الشرق