“الغرفة” أمام مفترق طرق

“الغرفة” أمام مفترق طرق

 

سهام الحارثية

بعد مرور أكثر من سنتين على عضويتي في مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان للفترة (2022- 2026)، أجدُ أن الوقت قد حان لتقييم الواقع واستشراف الفرص والتحديات التي تنتظر القطاع الخاص في عُمان.

ومن هذا المنطلق، أسعى من خلال هذا المقال إلى فتح نافذة للتأمل والمراجعة، ليس فقط في أداء المجلس، ولكن أيضًا في الدور الذي يمكن أن يمارسه القطاع الخاص وشركاته ورواد الأعمال، من أجل صياغة ملامح الاقتصاد العُماني في المستقبل القريب. وعلينا أن نتجاوز مرحلة ردود الفعل السلبية والتذمر إلى مرحلة الفعل؛ حيث نأخذ بزمام المبادرة ونشارك بفاعلية في صنع القرارات مع الغرفة، لأنه في النهاية: الفعل هو ما يحقق التغيير، لا الانتظار.

دور مجلس الإدارة: قيادة استراتيجية ورؤية مستقبلية

مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان لا ينبغي أن يقتصر دوره على تقديم الخدمات الروتينية أو تنظيم الاجتماعات واستقبال الوفود؛ بل يجب أن يتحول إلى محرك فعّال للنمو الاقتصادي. هل نجح المجلس في رسم توجهات استراتيجية واضحة لتحقيق التنمية الاقتصادية؟

وفقًا لتقرير البنك الدولي، فإن مساهمة المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي لعُمان لا تزال منخفضة عند 15%، في حين تصل هذه النسبة إلى 30% في الإمارات و35% في السعودية. وهذه الأرقام تعكس فجوة واضحة، مما يعني أن هناك الكثير الذي يمكننا أن نتعلمه ونستفيده من تجارب جيراننا. وعلينا أن نتحرك بسرعة لتحفيز النمو من خلال تبني سياسات واستراتيجيات أكثر فعالية.

أهمية الحوكمة والمهنية

الحوكمة ليست خيارًا؛ بل هي العامل الأساسي الذي يضمن استدامة النمو وتعزيز الثقة بين الشركات والقطاع العام. وغرفة تجارة وصناعة دبي تعد مثالًا يحتذى به في تطبيق الحوكمة؛ حيث ساعدتها على رفع كفاءة الأداء بنسبة 25% وفقًا لتقارير الغرفة. في المقابل، تواجه غرفتنا بعض التحديات التي يمكن التغلب عليها من خلال تطبيق نظم حوكمة فعّالة. ووفقًا لدراسات عالمية، فإن تطبيق الحوكمة بشكل صحيح يمكن أن يرفع من إنتاجية أي منظمة بنسبة 20%. لذلك، السؤال المطروح: هل نحن مستعدون لاتخاذ هذه الخطوة الحاسمة لتمكين الشركات وتعزيز الاقتصاد الوطني؟ إن التأخر في تطبيق الحوكمة قد يعوق تقدمنا ويقلل من قدرتنا على المنافسة في الساحة الدولية.

تمكين رواد الأعمال

من التجارب الرائدة في دول الخليج، نجد أن غرفة تجارة وصناعة قطر قد وضعت استراتيجيات مبتكرة لتمكين رواد الأعمال، مما أدى إلى زيادة مساهمتهم في الاقتصاد الوطني إلى 25%. في الكويت، تشكل الشركات الصغيرة والمتوسطة 70% من الوظائف في القطاع الخاص، ما يبرز الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه هذه الشركات في تعزيز الاقتصاد. وعلينا أن نستلهم هذه التجارب الناجحة ونكتفي من المبادرات المبعثره لنركز على  وضع استراتيجيات مماثلة تدعم رواد الأعمال العُمانيين، فهم حجر الزاوية لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.

الدعم الاستراتيجي للشركات

تُمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة العمود الفقري للاقتصاد العُماني؛ حيث تشكل 90% من إجمالي الشركات. لكن مساهمتها في الناتج المحلي لا تزال محدودة. وفقًا لوزارة التجارة والصناعة، يواجه 65% من رواد الأعمال صعوبات كبيرة في الحصول على التمويل اللازم لتوسيع مشاريعهم. علينا أن نتخذ خطوات جريئة لتوجيه استثمارات الغرفة لدعم هذه الشركات، بالتعاون مع البنوك والصناديق التمويلية. تجربة البحرين، التي شهدت زيادة بنسبة 40% في عدد المشاريع الصغيرة المسجلة بعد تعزيز الدعم المالي والتقني، تُظهر أن النجاح ممكن إذا توفرت الإرادة والتخطيط السليم.

توصيات لتعزيز الأداء

1. تعزيز التدريب والتأهيل: الاستثمار في تدريب وتأهيل أعضاء الغرفة يمكن أن يسهم في رفع كفاءة الأداء بنسبة 20%. التدريب المستمر لأعضاء المجلس والعاملين هو المفتاح لرفع كفاءة المؤسسات التجارية ودعم التغيير الإيجابي في الاقتصاد.

2. تنفيذ استراتيجيات دعم الشركات: يمكن أن نتعلم الكثير من التجارب الناجحة في دول مثل السعودية، حيث تم تخصيص 1.5 مليار دولار لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ويمكننا تطبيق هذا النموذج في عُمان بالتنسيق بين الغرفة والجهات التمويلية المتعدده و من خلق شراكات بين الغرفه والصناديق التمويلية ،لتسهيل حصول المشاريع على الدعم اللازم.

3. تحسين الشفافية والحوكمة: تطبيق سياسات شفافة واضحة المعالم بين الحكومة والقطاع الخاص يزيد من ثقة المستثمرين، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الاستثمار بنسبة تصل إلى 35%. الشفافية في صنع القرار وفي إدارة الموارد هي الطريق لتجاوز العقبات وفتح آفاق جديدة للاستثمار في عُمان.

وأخيرًا.. إنَّ الحاجة إلى تطبيق الحوكمة وتعزيز المهنية لم تعد مطلبًا اختياريًا، بل أصبحت ضرورة حتمية في ظل المنافسة العالمية الشديدة على جذب رؤوس الأموال والمستثمرين. الغرفة التجارية يجب أن تكون المحرك الذي يدفع عجلة الاقتصاد نحو الأمام، لا مجرد مؤسسة تؤدي الواجبات التقليدية، والتحديات التي تواجهنا تتطلب منا أن نعمل معًا كفريق واحد لأن “اليد الواحدة لا تصفق”.

ولا شك أن تحقيق رؤية “عُمان 2040” يتطلب تكامل الجهود بين الحكومة، القطاع الخاص، ورواد الأعمال فنحن أمام مفترق طرق ويجب علينا أن نختار الطريق الذي يقودنا إلى النمو والازدهار، فالمستقبل لا ينتظر من يتردد، بل يكافئ من يتحرك بجرأة وثبات.

ملحوظة: مصدر الخبر الأصلي هو جريدة الرؤية العمانية