الخطيب الناجح

الخطيب الناجح

 

جابر حسين العماني

[email protected]

 

قدَّر الله لنا أن نصلي في أحد المساجد أثناء زيارتنا لإحدى الولايات، وقد صعد الخطيب لإلقاء خطبة يوم الجمعة، وكان يقرأ الخطبة من الورق، ويتلعثم أحيانًا، ويديه ترتجفان، وجبهته تتعرق، وعينيه لا تفارقان النظر إلى الخطبة المكتوبة، وكان بين الحين والآخر يظهر عليه الارتباك، مما جعل من الناس يشعرون بحالة من الملل وعدم الارتياح، بسبب خطابته التي تفتقر إلى المهارات العلمية التي ينبغي أن تتوفر في الخطيب الناجح.

من المؤسف اليوم افتقار بعض المساجد لوجود الخطباء المؤهلين الذين يمكن الاعتماد عليهم في توعية الناس، ونقلهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم والفهم، وإن غياب الخطباء المتمكنين الذين يستخدمون الأساليب العلمية والخطابية أثناء الخطبة يحرم المستمعين من التعلم وحالة الانتعاش والراحة النفسية التي يجب أن تصاحب الخطابة الناجحة والمتمكنة.

وهنا علينا أن نطرح سؤالًا في غاية الأهمية والجدية، وقد يحتاج إلى إجابته الكثيرون من الناس، وهو الآتي:

ما أهم المواصفات التي ينبغي أن تتوفر في الخطيب الناجح حتى يستفيد الجميع من خطبته العلمية والإبداعية في يوم الجمعة؟

إن المواصفات الذاتية التي ينبغي أن يتحلى بها الخطيب الناجح كثيرة ومفصلة، وقد ذكرها علماء التخصص في علم الخطابة والإلقاء في مختلف المصادر العلمية والتي منها: كتاب “كيف تؤهل نفسك لتصبح خطيبًا؟” للأستاذ أحمد عطا إسماعيل، وكتاب “فن الخطابة وتطوره عند العرب” لحاوي إيليا، وغيرهما الكثير ممن كتب في أهمية فن الخطابة والإلقاء.

وهنا ومن خلال تجربتي المتواضعة وقراءاتي حول فن الخطابة والإلقاء سأتعرض إلى ذكر شيء من تلك المواصفات الرائعة التي ينبغي توفرها في الخطيب الناجح وهي كالتالي:

  • أولًا: سلامة اللسان، وهي الأداة العظيمة والوسيلة الأعظم للتخاطب مع الناس والوصول إلى قلوبهم وجوارحهم، فينبغي أن يكون الخطيب متسلحًا بالنطق السليم الخالي من الأخطاء والعيوب، بعيدًا عن التأتأة في الحديث، وهي عندما يصعب على الانسان النطق بحرف التاء فيردده عدة مرات وكذلك الفأفأة: وهي عندما يصعب على الانسان التلفظ بحرف الفاء فيكرره عند النطق، قال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب: “اَللِّسَانُ تَرْجُمَانُ اَلْجَنَانِ.”
  • ثانيًا: طلاقة اللسان في حسن البيان، وإلى جانب سلامة اللسان ينبغي أن يكون الخطيب مبدعًا في بيانه وذلك من خلال اختياره للحديث الحسن وتقديمه بصورة جميلة تخرج من قلبه لتقع في قلوب المستمعين إليه، بكل أريحية وسلاسة، بعيدًا عن البرود المخل بفن الخطابة، وقريبًا من الحرارة التي يُراد لها أن تلامس أذهان المستمعين بحيث يكون الخطيب متمكنًا من التسلسل والاسترسال في الخطبة التي يقدمها للجماهير، فلا يتوقف أو يتلكأ أو يتأنّى، ولا يُسرع كثيرًا في خطابته بحيث لا يفهمه أحد، ولا يكون أيضا بطيئًا في كلامه فيمله المستمعون.
  • ثالثًا: التمكن من الحفظ، وكما قيل في المأثور: كن حافظًا تكن لامعًا، لذا ينبغي على الخطيب الابتعاد قدر الإمكان عن القراءة من الورق إلا للضرورة، وقوة الذاكرة والحفظ في حد ذاته يجعل من الخطيب متمكنًا من طرحه بل ويعطيه الثقة الكبيرة بنفسه، والإيمان القوي بما يطرح بشرط أن يكون حفظه للنصوص مبنيًا على الدقة، خصوصًا في حفظ الآيات والأحاديث والنصوص، فمن الضروري أن تكون حافظة الخطيب قوية لكي يكون لامعًا ومفوّهًا أمام الجمهور، وكما قيل: إن إدخال النص إلى الخطبة أو المحاضرة يكون حاله حال الدرة في العقد، والحفظ يأتي دائمًا بالممارسة وكثرة التكرار والتركيز على ما ينبغي حفظه.
  • رابعًا: سعة الاطلاع، فينبغي على الخطيب أن يكون متابعا جيدا لما يصدر من كتب ومجلات وصحف وتقارير واحصائيات وأخبار، حتى إذا تحدث في خطبة أو محاضرة يتحدث بعلم ولباقة واطلاع، وذلك لا يكون بل ولا يتحقق إلا بحب المطالعة المستمرة والمتنوعة في علم التفسير والعقائد والفقه والأخلاق والنفس والاجتماع والأدب والسياسة والتاريخ والتراجم، والخطيب الناجح هو الخطيب الموسوعي في خطابته وإلقائه.
  • خامسًا: الوعي والادراك، لذا يجب على الخطيب أن يكون واعيا ومدركا لمخططات الاستكبار العالمي الذي يريد تحويل المجتمعات العربية والإسلامية إلى دول متمزقة ومتفرقة، وذلك من خلال نشر الجهل بين الناس واستغلال الخطباء والعلماء وجعلهم وعاظا للسلاطين بحيث لا يكون لهم الدور الفاعل إلا كما يريد السلاطين، لا كما يريد الباري تبارك وتعالى.
  • سادسًا: اللبس الجميل والمظهر الأنيق، فلا يصح للخطيب أن يصعد المنبر ليلقي خطبة أو محاضرة وهو بمظهر غير لائق، ذلك أن الخطيب دائما ما يكون في محط أنظار المستمعين إليه، ومن الطبيعي أن تكون عيون من حوله من الحضور مشدودة إليه، أما عندما يكون شكل الخطيب غير لائق في مظهره، فذلك يعني أن المستمعين سيركزون على مظهره أكثر من تركيزهم على حديثه وخطابته، وبالتالي فإن الخطيب الناجح مطلوب منه أن يكون أنيقا في مظهره وهو على منابر الوعظ والإرشاد، حسن الهيئة في لبسه ونظافته، ومرتبا حتى في عمامته ولحيته وابتسامته، وهذا ما جعله الله تعالى في أنبيائه الكرام، حيث جعل وجوههم حسنة ومشرقة، ونزههم من العاهات التي تجعل من الناس ينفرون منها، فكانوا سادة الخطباء في سلامة ألسنتهم وحسن بيانهم وحفظ خطبهم وأناقة لباسهم.
  • سابعًا: التشويق؛ إذ يعد التشويق من أهم العناصر التي ينبغي للخطيب اكتسابها وتطبيقها أثناء خطابته، وهو أحد العوامل المؤثرة في جذب المستمعين والتأثير عليهم، ومن وسائل التشويق التي يذكرها أهل التخصص، الاهتمام بعرض القصة والأسئلة والأرقام والاحصائيات.
  • ثامنًا: لا بُد من الخطيب أن يعتقد ما يقول، وأن يبني قوله على مرتكز ودليل، وكما قيل “نحن أبناء الدليل أينما مال نميل”.

وإضافة إلى كل ذلك ينبغي للخطيب أن يخضع لبعض الدورات التعليمية التي تساعده أن يكون خطيبا بارعا ومتمكنا لامعا في الجوانب العلمية المختلفة لفنون الخطابة والالقاء، كالاهتمام بدراسة لغة الجسد، وكيفية التخلص من القلق والخوف عند القاء الخطبة أو المحاضرة، وكيفية مقابلة الجمهور، وغيرها العديد من مهارات التواصل والإلقاء التي تجعل منه خطيبا محترفًا ومتمكنا يحبه الناس، ومن تلك الدورات المهمة التي ننصح بها دورة تدريب المُدربين “ToT”، وكذلك دورة برامج “توست ماستر” المتخصصة في التدريب على مهارات الاتصال، وهي دورات مفيدة ونافعة للخطيب حتى يتمكن من طرح خطبة أو محاضرة تليق به وبجمهوره الجميل.

ملحوظة: مصدر الخبر الأصلي هو جريدة الرؤية العمانية