حرب عبثية أم إخضاع وسيطرة؟

حرب عبثية أم إخضاع وسيطرة؟

 

عائشة السريحية

عيون العالم مُترقبة لما يحدث من جنون في إقليم الشرق الأوسط، ومع تباين مواقف الحكومات إلّا أنَّ أصوات الشعوب تكاد تكون واحدة؛ فهي تستشعر آلام الضحايا جراء هذه الحرب الظالمة، ومن يتحمل أن يرى الأشلاء تتطاير وكأنها عهن منفوش، رغم الجنون الذي يحدث إلّا أن مسارات الحرب لم تعد ذات أبعاد وجودية كما يقول المحتل الصهيوني؛ بل هي فرض سيطرة وإخضاع لدول الإقليم، وكأن لسان حال نتنياهو يردد مقولة فرعون “أنا ربكم الأعلى”.

وبرغم الانهيارات التي حظي بها الكيان المحتل على الصعيد العسكري والسياسي والاقتصادي، ومؤشرات انعدام الأمن الملائم للبيئة الاستثمارية، وضياع حلم قناة بن غوريون وهروب كبار المستثمرين الذين يعون جيداً معنى الاستدامة واستراتيجية الاستثمار، وعدد القتلى من الجنود والضباط وآلاف المعاقين بسبب الحرب، والهجرة العكسية التي ورغم كل محاولات العدو إخفاء كل هذه النتائج، إلا أن الحقائق تتسرب شيئاً فشيئاً للعالم، لتتكشف عورة الكيان اللقيط.

الجنون الصهيوني لإشعال فتيل الحرب الإقليمية الشاملة، وفتح كل الجبهات ليس سوى رغبة من كيان منهار، وليس إلا بخطة أمريكية هدفها إخضاع الشرق الأوسط لقوة واحدة، باتت تخشى فقدانها، فبعد نجاحها في تدمير العراق واليمن وسوريا وتفتيت مشروع الوحدة العربية، وضمان ولاء بقية دول المنطقة؛ بل وابتزاز بعضها، وترويج التطبيع مع المحتل، وبناء قواعد عسكرية في كل زاوية ومنحنى، لم تعد متحملة فكر مشروع المقاومة، الذي انتعش من جديد، كالعنقاء التي انتفضت من وسط الرماد، خصوصا بعد عقود من الفتنة بين الشيعة والسنة كونهما وقودا فاعلا في إذكاء الحروب داخل البلدان وبأقل الخسائر، فكيف لا وهم يقتلون ويكفرون بعضهم، ثم تأتي كالمنقذ المخلص فتفرض شروطها وتدعم الطرف الأكثر أمانا لها، إلا أنها اليوم، لم تعد تجد وسيلة لشرعنة القتل المذهب، بل تقتل المسلم بغض النظر عن ذلك، والتهمة هي أنه مُقاوِم للاحتلال، فالمقاوم بالنسبة لها خطر يجب وأده قبل أن يستشري في مجتمعات متفرقة كالمجتمع العربي الحديث، الذي نجحت أن تجعل نزعة الأنا والانفصال اللاواعي عن وحدة المجتمعات، وفصل مفهوم الأخوة في الدين واللغة والعادات تغلب عليه.

وبالعودة لنقطة الجنون الصهيوأمريكي، وما يروجون له من استعدادهم لضرب إيران وحشدهم للآراء الدولية، كالإدانة التي حصلوا عليها من مجموعة الدول السبع، والسعي في الكواليس لجر دول المنطقة لدعمهم لضرب إيران، ما هو سوى فخ كبير يتم نصبه على مرأى ومسمع؛ بل أمسى مكشوفا منذ اللحظة التي أعلنت فيها دول مجلس التعاون الحياد في هذا الأمر، غير أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تمارس كل وسائل الضغط الممكنة، لجعل الضربة الإسرائيلية، رغبة إقليمية ستشارك فيها الدول الصديقة في المنطقة حسب قولها ولو حتى دعماً لوجستياً.

وعلى مدار العقود السابقة لم نشهد أن أمريكا خاضت حربا وربحتها للنهاية، بل كانت لها جولات تدميرية واستعمارية كل غايتها السيطرة على الثروات وترك ما يحدث بعد ذلك لتلك البلدان المنكوبة.

لذلك فإنِّه وبناء على ما حدث ويحدث، نستطيع أن نخمن بقية السيناريو في حال قام الكيان الصهيوني ومن خلفه طبعًا أمريكا بتوجيه ضربة لإيران وكانت لها آثار تدميرية على البنى التحتية أو حتى على المستوى السياسي كالاغتيالات أو الضربات ذات الأثر الاستراتيجي، ونشير إلى المفاعل النووي، فإنَّ المنطقة برمتها ستوضع في أتون حرب لن تترك ولن تذر، وخصوصا أن رد الفعل سيكون انتقاميًا، وله أبعاد قد لا تحمد عقباها.

لذلك يجب على الدول العربية والخليجية بالذات أن تكون على وعي ودراية لأي فخ قد ينصب لها.

إيران بعد نفاد الصبر الذي أعلنت عنه قبيل ضربتها الأخيرة على إسرائيل، كانت قد تلقت ضربات موجعة؛ فلم يكن اغتيال الشهيد إسماعيل هنية هو السبب الوحيد، فما حدث في لبنان مؤخرا كان القشة التي قصمت ظهر البعير، ولكنها كانت تُعد العدة في الخفاء ما نظنه جعلها جاهزة للرد، خصوصًا بعد أن تم تداول حصولها على أنظمة الدفاع الجوي الروسية “إس-400″، وما تم أيضًا تداوله من حصولها على الصواريخ الباكستانية “شاهين 3” المجهزة لحمل الرؤوس النووية وهو ما كان ينقصها، إضافة لمكنوز الصواريخ الباليستية المتطورة والفرط صوتية، التي تملكها إيران والمسيرات التي أثبتت فاعليتها في خوض حروب مشابهة.

ويرى كثير من المحللين السياسيين أنه مهما كانت الضربة الإسرائيلية قوية، فإنَّ إيران قادرة على امتصاصها وأن ردها سيكون عنيفًا، ولن يكون فقط على إسرائيل؛ بل ربما يطال كل من تعاون معها، فالانتقام لا يقوده العقل بل الجنون والانتصار للنفس؛ فالمعركة اليوم لم تعد بين الكيان الإسرائيلي ومحاور المقاومة؛ بل هو صراع أمريكي إيراني حول كرسي الزعامة في الشرق الأوسط، وفي كلتا الحالتين نحن مقبلون على شرق أوسط جديد لكن بمعايير مختلفة.

ملحوظة: مصدر الخبر الأصلي هو جريدة الرؤية العمانية