30 عامًا من الشراكة الاقتصادية.. تعاون مصري كوري بآفاق جديدة

تشهد العلاقات الاقتصادية بين مصر وكوريا الجنوبية مرحلة متقدمة من التنسيق والشراكة، تجسّدها زيارة المبعوث الكوري الخاص إلى القاهرة ولقاؤه بالرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم في قصر الاتحادية.
جاءت الزيارة في إطار بحث سبل تعميق التعاون في مجالات الاستثمار والتجارة والصناعة والطاقة والنقل، بما يعكس حرص البلدين على البناء على ما تحقق خلال السنوات الماضية من تقارب سياسي واقتصادي. وتمثل هذه الخطوة امتدادًا لمسار تصاعدي في العلاقات الثنائية، اتخذ أشكالًا متعددة منذ توقيع اتفاقيات التعاون الاقتصادي الكبرى وارتفاع معدلات التبادل التجاري إلى مستويات غير مسبوقة.

وتضع هذه التحركات مصر وكوريا الجنوبية أمام فرصة لتوسيع نطاق شراكتهما الاستراتيجية، خصوصًا في ظل التوجه المصري لزيادة معدلات التصنيع المحلي وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتوجه الكوري نحو تنويع أسواقه وتعزيز وجود شركاته في إفريقيا والشرق الأوسط. 
ووفقًا لبيان رئاسة الجمهورية، فقد تناولت المباحثات آفاق التعاون الصناعي والتكنولوجي ونقل الخبرات الكورية إلى السوق المصري، بما يرسّخ مكانة القاهرة كمركز إقليمي للشركات الكورية في المنطقة.

التجارة البينية وتطور المبادلات

تشير بيانات وزارة التجارة والصناعة المصرية إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين تجاوز 3.2 مليار دولار عام 2022، بزيادة ملحوظة عن الأعوام السابقة، مدفوعًا بارتفاع الصادرات المصرية من الغاز الطبيعي والمنتجات الكيماوية، إلى جانب الواردات الكورية من الأجهزة الإلكترونية والسيارات وقطع الغيار. ووفقًا لتقرير وكالة يونهاب الكورية، فإن مصر باتت ثاني أكبر شريك تجاري لكوريا في إفريقيا بعد جنوب إفريقيا، وهو ما يعكس تنامي الحضور المصري في السوق الكوري.

الاستثمارات الكورية في مصر

تظهر أرقام الهيئة العامة للاستثمار أن حجم الاستثمارات الكورية في مصر بلغ نحو 800 مليون دولار حتى عام 2023، موزعة على قطاعات الإلكترونيات والصناعات الثقيلة والطاقة المتجددة. وتعد شركة “سامسونج” من أبرز المستثمرين عبر مصنعها في بني سويف الذي يغطي أكثر من 50% من احتياجات السوق المحلي ويصدر إلى أسواق إفريقية وعربية، بينما تواصل شركة “هيونداي روتيم” تعاونها مع وزارة النقل المصرية في تصنيع عربات مترو الأنفاق وتوطين التكنولوجيا.

الطاقة والنقل كمجالات رئيسية للتعاون

يمثل قطاع الطاقة أحد أهم محاور التعاون، حيث تعمل الشركات الكورية على المشاركة في مشروعات الطاقة المتجددة وإنتاج الهيدروجين الأخضر، بما يتماشى مع الاستراتيجية المصرية للتحول نحو مصادر نظيفة. وبحسب وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، فإن كوريا الجنوبية أعربت عن استعدادها لزيادة استثماراتها في مشروعات الرياح والطاقة الشمسية، أما في قطاع النقل، فتواصل سيؤول دعمها لمشروعات السكك الحديدية والمترو في القاهرة، عبر شراكات تسهم في تعزيز البنية التحتية وتطوير التكنولوجيا المحلية.

التكنولوجيا والتعليم والتدريب

تتجه العلاقات كذلك إلى التركيز على نقل التكنولوجيا وتطوير المهارات البشرية. ووفقًا لوزارة التعاون الدولي، فإن برامج التدريب المشتركة الممولة من الجانب الكوري ساهمت في رفع كفاءة آلاف الكوادر المصرية في مجالات التكنولوجيا والهندسة والإدارة العامة. كما تمثل الجامعات المصرية منصة للتعاون الأكاديمي مع نظيراتها الكورية، بما يفتح المجال أمام مشروعات بحثية مشتركة في الذكاء الاصطناعي والتقنيات الصناعية الحديثة.

دعم استراتيجي متبادل

تسعى كوريا الجنوبية من جانبها إلى تعزيز وجودها في السوق المصري باعتباره بوابة للقارة الإفريقية، بينما ترى مصر في الشريك الكوري نموذجًا للاستفادة من الخبرات التنموية المتقدمة، ووفق تقارير الهيئة العامة للاستعلامات، فإن زيارة الرئيس الكوري الجنوبي إلى القاهرة في يناير 2022، وما تلاها من زيارات متبادلة على مستويات مختلفة، رسّخت الإطار المؤسسي للتعاون ووضعت خريطة طريق لتعزيز العلاقات في السنوات المقبلة.

تاريخ العلاقات المصرية الكورية

بدأت العلاقات الدبلوماسية بين مصر وكوريا الجنوبية رسميًا عام 1995، بعد مرحلة من التمثيل غير المقيم، وسرعان ما تطورت إلى شراكات متعددة المجالات. وشهدت العلاقات دفعة كبيرة في العقدين الأخيرين مع تنامي الاستثمارات الكورية وارتفاع معدلات التبادل التجاري.
ووفقًا لوكالة الأهرام الإنجليزية، فقد مثلت زيارة الرئيس الكوري السابق لي ميونغ باك إلى القاهرة عام 2009 نقطة تحول في العلاقات الاقتصادية، قبل أن تتوسع مجالات التعاون لتشمل الطاقة والبنية التحتية والتعليم. وتشير الوثائق الرسمية إلى أن مصر أصبحت من أوائل الدول العربية التي تستضيف استثمارات صناعية كورية كبرى، مما جعلها محورًا رئيسيًا في سياسة سيؤول تجاه الشرق الأوسط وإفريقيا.