أثار قرار وزارة الصحة المصرية بفرض رسوم قدرها 4500 جنيه شهريًا على إقامة المرضى بمستشفى العباسية للصحة النفسية موجة استياء واسعة، خاصة في ظل اعتماد شريحة كبيرة من المرضى وأسرهم على الخدمات المجانية التي كانت توفرها هذه المؤسسة الحكومية منذ عقود.
ويُعد مستشفى العباسية واحدًا من أهم الصروح العلاجية النفسية في مصر، حيث يستقبل حالات نفسية معقدة وخطرة، كمرضى الذُهان الذين قد يُشكلون خطرًا على أنفسهم وعلى من حولهم. وغالبًا ما تلجأ العائلات – تحت ضغط العجز وقلة الحيلة – إلى إيداع هؤلاء المرضى في المستشفى، لعدم قدرتها على رعايتهم داخل المنزل.
ويرى البعض أن الرسوم الجديدة تهدد بإغلاق هذا “الملاذ الآمن” في وجه آلاف المرضى، لا سيما من الطبقات الفقيرة، في حين يعتبرها آخرين أنها قد تؤدي إلى “كارثة مجتمعية”، مع تزايد أعداد المرضى النفسيين في الشوارع، وسط غياب الرعاية والعلاج، وما قد يترتب على ذلك من سلوكيات خطرة ناتجة عن هؤلاء.
وقال الدكتور خالد وليد طبيب نفسي سابق بمستشفى العباسية، “قبل ما اشتغل في إنجلترا كنت شغال في مستشفى العباسية للصحة النفسية في مصر، ودى تعتبر من أكبر وأقدم مستشفيات الصحة النفسية مش بس في مصر، يمكن فى العالم”.
وأضاف وليد في منشور عبر صفحته على فيسبوك، “المستشفى كانت ملجأ للمرضى النفسيين فى مصر، خصوصًا من الطبقات الفقيرة اللى متقدرش تتحمل مصاريف العلاج النفسى، سواء عيادات خارجية أو حجز فى المستشفى، ورغم الإمكانيات البسيطة والميزانية التعبانية، كانت بتساهم فى علاج كتير من المرضى اللى ملهمش مكان تانى يروحوا له، وده كان بأسعار رمزية زى جنيه واحد للتذكرة وحجز مجانى أو بـ٣٠٠٠ جنيه فى الشهر للحجز الاقتصادى، في مقابل إن أقل حجز فى مستشفى خاصة كويسة كان ممكن يوصل لـ١٠ أضعاف السعر ده”.
وتابع: “اتفاجأت امبارح بقرار غريب وأكيد مش مدروس، لأن بدقيقة تفكير واحدة هتعرف إن ده هيؤدى إلى مهازل. القرار هو إن مفيش حجز مجانى ودلوقتى أقل حجز بقى بـ٤٥٠٠ فى الشهر ويصل إلى ١١٥٠٠ فى الشهر، فى حين إن العيان أصلًا أحيانًا مكنش بيبقى قادر يدفع جنيه تمن تذكرة!”.
وواصل وليد: “تخيل معايا مريض ذهان خطر على نفسه وعلى غيره وبكل الأبحاث العالمية محتاج يتحجز فورًا وتقول لأهله معلش أنا عارف إنه ممكن يموتكم أو يموت نفسه بس هاتولى ٤٥٠٠ – ١١٥٠٠ جنيه ونحجزه مفيش مشاكل!”.
وزاد: “فى وقت اللى كل دول العالم بتشوف إن الصحة النفسية حاجة أساسية ومجانية تمامًا لما تمثله من خطورة على حياة المريض نفسه وعلى الآخرين، أنت بقى جاى مش بس تخليها بفلوس، لا ده أنت مخليها بأسعار مستحيلة لأغلب الناس اللى بتيجى المستشفى! كأنك بتقولهم لو مش معاك فلوس خليك عيان ربنا معاك بقى!!”.
وختم وليد: “الصحة النفسية فى مصر رايحة فى طريق وحش جدًا لو القرار ده متراجعش عنه فى اقرب وقت! الصمت خطر. والسكوت معناه إننا بنشارك في انهيار ما تبقى من الرعاية النفسية في مصر”.
ومن جانبه، قال الدكتور محمد عبيد طبيب نفسي وأعصاب بمستشفى حلوان للصحة النفسية والإدمان، “المريض النفسي، في العموم، شخص مسالم، هادئ، وميله للعنف هو الاستثناء وليس القاعدة. والإحصاءات العالمية تُظهر أن معدلات ارتكاب الجرائم لدى المرضى النفسيين أقل من عامة السكان، وهو ما تؤكده الأدلة العلمية وتدعمه التجربة. دي مقدمة ضرورية ومهمة”.
وأضاف عبيد في منشور عبر صفحته على فيسبوك: “لكن بعض المرضى، خاصة من يعانون من الاضطرابات الذهانية والمزاجية، ممكن يمروا بفترات انتكاسة تجعلهم في خطر على أنفسهم أو على الآخرين، وتستوجب حالتهم الرعاية الطبية المكثفة والحجز في المستشفيات، لفترات قد تمتد إلى شهر أو أكثر”.
وتابع: “الاضطرابات النفسية موجودة ومنتشرة، مرض الفصام على سبيل المثال نسبته حوالي 1% من السكان في معظم المجتمعات، ما يعني أن في مصر ما لا يقل عن مليون مريض بالفصام على الأقل”.
وأكمل عبيد: “رعاية المرضى دول لا تقتصر على الأدوية فقط، بل تشمل المتابعة النفسية والاجتماعية والتأهيلية، وهي منظومة باهظة التكاليف لا يستطيع المريض ولا أسرته تحملها بمفردهم، خاصة في ظل الوصم الاجتماعي، والبطالة، والانقطاع عن التعليم أو العمل بفعل التدهور الوظيفي اللي بيسببه المرض”.
وواصل: “الاهتمام المؤسسي الجاد بالصحة النفسية في مصر بدأ سنة 1997، مع إنشاء الأمانة العامة للصحة النفسية كجهة مستقلة تتبع وزارة الصحة. بعد حادث شهير، لما قام أحد نزلاء مستشفى الخانكة بقتل عدد من السياح الألمان في ميدان التحرير، وهو ما سلط الضوء على الخلل المؤسسي في إدارة هذه المستشفيات، التي كانت تتبع مديريات الصحة”.
وزاد عبيد: “الأمانة تضم مستشفيات كبيرة زي العباسية، الخانكة، المعمورة، حلوان، سوهاج، أسيوط وغيرها، وتشكل العمود الفقري لرعاية آلاف المرضى يوميًا، بجانب أقسام الطب النفسي بالمستشفيات الجامعية، وطبعا المستشفيات الخاصة”.
ورأي أن “قرار رفع رسوم الخدمات العلاجية في المستشفيات النفسية الحكومية هو قرار جائر، لا يراعي طبيعة هذه الفئة ولا ظروفهم الاجتماعية أو الصحية. وهيزيد من معاناة الأسر التي تنهكها رحلة العلاج والوصمة والفقر”.
وختم عبيد: “القرار لا يمس فقط الجانب الصحي، لكن هيكون له انعكاسات على الأمن العام والأمن القومي، لأن إضعاف شبكة الرعاية النفسية هيفاقم الأزمات الفردية وتحولها إلى تهديدات جماعية”.
وبدوره، قال السفير فوزي العشماوي، الدبلوماسي السابق، “لو صح هذا الكلام فهي كارثة مجتمعية لا يعلم عواقبها إلا الله، معظم المرضي النفسيين من الطبقات الفقيرة والمتوسطة لاتستطيع دفع رسوم حجز مرضاها ما يعني تركهم كقنابل موقوتة يمكن أن تضر أسرهم وجيرانهم والمجتمع بأسره”.
وأضاف العشماوي، في منشور عبر صفحته على فيسبوك: “لا أدري حقيقة قيمة المبلغ الذي يمكن أن يوفره بند كهذا البند ومقارنته بالمليارات والتريليونات التي تنفق يمينا ويسارا!”.
واعتمد الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، تحريك أسعار الخدمات الطبية المقدمة داخل مستشفيات الصحة النفسية ومراكز علاج الإدمان التابعة للأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان.
وجاءت تفاصيل القرار كالتالي:
- رفع أسعار خدمات الإقامة الداخلية لليلة الواحدة، لتصبح 550 جنيهًا للجناح الخاص (ويشمل غرفتين، وتلفزيون LCD، وتكييف، وثلاجة)، و380 جنيهًا للدرجة الأولى الممتازة، و300 جنيه للدرجة الأولى، و180 جنيهًا للدرجة الثانية، و150 جنيهًا للدرجة الثالثة.
- تحريك أسعار خدمات التحاليل الطبية المقدمة بمعامل الأمانة العامة، حيث تنوعت قائمة التحاليل بين الكيمياء الإكلينيكية، والميكروبيولوجي، وتوافق الأنسجة، وتحاليل السموم والمخدرات، بالإضافة إلى تحاليل الفيروسات.
- شملت قائمة التحاليل الإكلينيكية تحاليل أساسية مثل Glucose، HbA1c، Urea، Creatinine، Cholesterol، AST، ALT، CRP، Amylase، Lipase، وغيرها، بأسعار تبدأ من 10 جنيهات وتصل إلى 80 جنيهًا، حسب نوع التحليل.
- قسم الميكروبيولوجي، فتشمل القائمة تحاليل مثل Amoeba Ag، Helicobacter AG، Plasmodium Falciparum، تحليل بول كامل، وتحليل مني، وتحاليل البراز والطفيليات، وتتراوح أسعارها من 70 إلى 150 جنيهًا.
- وعلى صعيد تحاليل الأورام والمناعية، تشمل تحاليل CEA، PSA، CA 125، CA 153، ANA، ASM، ADA، وتبدأ أسعارها من 150 وحتى 170 جنيهًا، كما شمل القرار أسعار تحاليل توافق الأنسجة مثل HLA – A، HLA – B، HLA – DR، والتي تتراوح أسعارها بين 150 إلى 200 جنيه.
- قائمة جديدة بأسعار تحليل المواد المخدرة داخل معامل الأمانة، وتشمل الكشف عن مواد مثل Tramadol، THC، Opiates، Cocaine، Heroin، Benzodiazepines، Barbiturates، بأسعار تتراوح من 120 إلى 250 جنيهًا، وفقًا لطبيعة التحليل (سريع أو مجهري).
وفسرت الوزارة تحريك الأسعار بدافع تحسين جودة الخدمة داخل مستشفيات الأمانة العامة.
نقلاً عن : كشكول
- عاجل.. محافظ البنك المركزي يطلق شهادة بكالوريوس العلوم المصرفية بـ5 جامعات - 5 أغسطس، 2025
- رئيس النيابة الإدارية يواصل متابعة سير عملية انتخابات مجلس الشيوخ - 5 أغسطس، 2025
- تسمم سيدتين و3 أطفال بعد تناول وجبة فاسدة بالوادي الجديد - 5 أغسطس، 2025
لا تعليق