في خطوة هامة لدعم صحة الطلاب وتعزيز أدائهم الدراسي، أعلنت وزارة التربية والتعليم عن بدء تجربة توزيع الوجبات الساخنة على تلاميذ المدارس الابتدائية في البيئات الأكثر احتياجًا، والتي انطلقت لأول مرة في مديرية التربية والتعليم بمحافظة الفيوم.
وفي هذا السياق، علّق عدد من الخبراء التربويين لموقع “كشكول” على أهمية هذه الخطوة، مؤكدين أن توفير وجبات غذائية صحية للطلاب يسهم بشكل كبير في محاربة التقزم وتحسين البنية الصحية لهم، وهو ما ينعكس إيجابًا على العملية التعليمية ومستوى التحصيل الدراسي.
وكشفت مصادر بوزارة التربية والتعليم أن فكرة توزيع الوجبات الساخنة على تلاميذ المدارس الابتدائية انطلقت لأول مرة من مديرية التربية والتعليم بمحافظة الفيوم قبل شهور قليلة، حيث استقبل الدكتور خالد خلف قبيصي، وكيل وزارة التربية والتعليم بالفيوم، العميد سامح لبيب من وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، لمتابعة تنفيذ التجربة على أرض الواقع.
وأضافت المصادر لـ”كشكول”، أن التجربة بدأت كتطبيق أولي في أربع مدارس ابتدائية بإدارة غرب الفيوم التعليمية، هي: مدرسة الصداقة المصرية الفرنسية – القسم الابتدائي، مدرسة محمد سالم سالم الابتدائية، مدرسة الساحة الابتدائية، ومدرسة ملحقة المعلمين بكيمان فارس، مشيرة إلى أن اختيار هذه المدارس جاء بهدف قياس ردود الأفعال، وتقييم جدوى التجربة قبل التوسع فيها على نطاق أوسع.
أهداف تربوية وصحية
وأوضح مصدر بالمديرية أن الهدف من هذه الوجبات الساخنة لا يقتصر على إشباع احتياجات التلاميذ الغذائية فحسب، بل يمتد لدعم صحتهم الجسدية والعقلية بما ينعكس مباشرة على قدراتهم التعليمية.
وقال المصدر: “توفير وجبة صحية ساخنة يوميًا يساعد على رفع مستوى التحصيل الدراسي، والحد من ظاهرة التسرب من التعليم، كما يخلق حافزًا لدى التلاميذ للمواظبة على الحضور”، لافتًا إلى أن التجربة لاقت استحسانًا واسعًا من أولياء الأمور والطلاب على السواء.
دعم وزاري وشراكة مجتمعية
ومن جانبه، أكد الدكتور خالد خلف قبيصي، وكيل وزارة التربية والتعليم بالفيوم، أن هذا المشروع ما كان ليرى النور لولا دعم وزير التربية والتعليم محمد عبداللطيف، الذي يولي اهتمامًا خاصًا ببرامج التغذية المدرسية. وقال قبيصي: “نوجه كل الشكر والتقدير للسيد الوزير على دعمه المستمر لتعليم الفيوم، وحرصه على تعميم مثل هذه المبادرات التي تخدم أبناءنا التلاميذ”.
كما أشاد قبيصي بالدور الفاعل لمؤسسات المجتمع المدني، وفي مقدمتها بنك الطعام المصري وجمعية صلاح الدين، اللذين قدما دعمًا لوجستيًا وماديًا كبيرًا لإنجاح التجربة، معتبرًا أن الشراكة المجتمعية تمثل ركيزة أساسية في دعم العملية التعليمية، وتوفير بيئة مدرسية صحية وجاذبة للطلاب.
استجابة إيجابية من الميدان
وأشار أحد مديري المدارس المشاركة في التجربة إلى أن التلاميذ أبدوا حماسًا كبيرًا لتلقي الوجبات، حيث لاحظ المعلمون ارتفاع نسب الحضور وانخفاض معدلات الغياب في الأسابيع الأولى من التطبيق.
وأوضح المدير: “الوجبة الساخنة أصبحت عنصر جذب، خصوصًا للتلاميذ في المناطق الأكثر احتياجًا، كما ساعدت على تقليل الأعباء المادية على أولياء الأمور”.
خطط للتوسع والتعميم
وأكدت مصادر داخل وزارة التربية والتعليم أن النجاح الذي حققته التجربة الأولية في الفيوم دفع الوزارة إلى دراسة إمكانية تعميم الفكرة على نطاق أوسع في عدد من المحافظات، خاصة في القرى والمناطق الريفية.
وأوضحت المصادر أن الوزارة تسعى إلى توفير التمويل اللازم بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الاقتصادية، بهدف ضمان استدامة المشروع وتحقيق أقصى استفادة للطلاب.
وفي ختام حديثه، شدد وكيل وزارة التربية والتعليم بالفيوم على أن الاهتمام بالتغذية المدرسية يعد جزءًا من استراتيجية متكاملة لتحسين جودة التعليم، قائلًا: “لا يمكن أن نتحدث عن تطوير حقيقي للعملية التعليمية دون النظر إلى صحة التلاميذ، فالطفل السليم جسديًا وعقليًا هو الأكثر قدرة على التعلم والإبداع”، مضيفًا أن هذه التجربة تمثل بداية لمرحلة جديدة من التعاون بين الدولة والمجتمع المدني في خدمة التعليم.
عاصم حجازي: مبادرة الوجبات ساخنة تحارب التقزم وتعزز صحة الطلاب
وفي هذا السياق، قال الدكتور عاصم حجازي، أستاذ علم النفس التربوي المساعد بكلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة، إن وزارة التربية والتعليم عن تعمل على توزيع وجبات ساخنة على الطلاب بهدف محاربة ظاهرة التقزم في المناطق الفقيرة والحفاظ على بنية صحية سليمة للطلاب، لما لذلك من تأثير مباشر على تحسين جودة العملية التعليمية، وتستهدف هذه المبادرة تلاميذ المرحلة الابتدائية في المدارس الحكومية الواقعة في البيئات الأكثر احتياجًا، لتعزيز صحتهم ودعم نموهم السليم.
وأضاف في تصريحاته لموقع «كشكول»، أن تنفيذ هذه المبادرة من خلال تنسيق كامل بين وزارة التربية والتعليم وبنك الطعام المصري، بالإضافة إلى مديريات الصحة والتضامن الاجتماعي في كل محافظة، وتشرف كل جهة على جزء محدد من العملية، حيث تتابع مديريات الصحة جودة الطهي والتغذية، بينما تهتم مديريات التضامن الاجتماعي بالتوزيع والمراقبة لضمان وصول الوجبات بشكل آمن ومنتظم إلى الطلاب.
وأكد حجازي، على أن الوزارة تحرص على أن تحتوي الوجبة الساخنة على قيمة غذائية عالية تساهم في تعزيز صحة الطلاب ومكافحة الأمراض المرتبطة بسوء التغذية، وتهدف هذه الخطوة إلى رفع مستوى الصحة العامة للتلاميذ، مما ينعكس إيجابًا على قدرتهم على التعلم والتركيز، ويسهم في خلق بيئة مدرسية أكثر صحة ونشاطًا.
تربوي يوضح مخاطر توزيع الوجبات الساخنة في المدارس بدون استعدادات حقيقية
علق الدكتور محمد عبد العزيز، أستاذ العلوم والتربية بجامعة عين شمس، على مبادرة الوجبات ساخنة في المدارس، موضحًا أنه يحمل مخاطر كبيرة إذا لم تُتخذ الاحتياطات اللازمة، خاصة مع عدم جاهزية معظم المدارس الحكومية في مصر، فالأمر لا يقتصر فقط على تقديم الطعام، بل يحتاج إلى إجراءات واضحة على أرض الواقع تضمن خطوات تنفيذ محكمة، مع متابعة دقيقة وشاملة لجميع جوانب العملية لضمان نجاحها وسلامة الطلاب.
وفي تصريحات خاصة لموقع «كشكول»، أضاف أن من أهم هذه الإجراءات هو توفير الرقابة الصحية الفعالة، والتي تشمل تواجد طبيب مختص وأخصائي تغذية في المدارس لمتابعة جودة الوجبات والتأكد من سلامتها، بالإضافة إلى متابعة صحة التلاميذ بشكل مستمر، والتساؤل هنا: هل هذه المعايير متوفرة فعلًا في المدارس الحكومية أم أن الأمر مجرد قرارات إعلامية دون تنفيذ حقيقي؟
وأوضح، أن فيما يخص الفئات المستهدفة، فلا يجب أن يقتصر البرنامج على فئة محددة فقط من طلاب المرحلة الابتدائية، بل يجب أن يشمل جميع المراحل التعليمية، فلا يجوز التمييز بين فئة وأخرى طالما الهدف هو تحسين صحة الطلاب والنهوض بمستواهم التعليمي، كما يجب أن تكون مكونات الوجبة متوافقة مع المعايير الغذائية المطلوبة لكل مرحلة عمرية، لضمان تلبية الاحتياجات الصحية والنمو السليم للطلاب.
تربوية: الرقابة الصحية شرط أساسي لإنجاح مشروع الوجبات الساخنة
وقالت بثينة كشك، المستشارة التربوية والتعليمية، إن فكرة تقديم وجبات ساخنة للطلاب في المدارس ليست أمرًا سهلًا وتحتاج إلى دراسة متأنية قبل التطبيق، وأوضحت أن هناك تحديات عديدة يجب أخذها في الاعتبار، منها تحديد أماكن الطهي داخل المدارس، وتوفير الأدوات اللازمة، وآليات الرقابة الصارمة على عملية الطهي، مشيرة إلى أن حتى الوجبات الجافة مثل البسكويت شهدت في السابق حالات تسمم غذائي وشكاوى عديدة لعدم مطابقتها للمواصفات.
وأشارت كشك، في تصريحاتها لموقع «كشكول» إلى أن نجاح هذه الفكرة مرهون بتعاون وزارة الصحة لضمان وجود رقابة غذائية صارمة ومشرفين متخصصين لمتابعة جودة الوجبات، وأضافت أن تجربة بنك الطعام السابقة كانت نموذجًا ناجحًا في هذا الإطار، حيث تم إشراك الأمهات من أولياء الأمور في المناطق الفقيرة في عملية الطهي، مع توفير المواد الغذائية والأدوات والمكان، فضلًا عن إشراف الجهات الصحية لضمان السلامة.
وشددت المستشارة التربوية على ضرورة دراسة المشروع جيدًا قبل تطبيقه لتجنب أي مشاكل أو فرص للفساد والتلاعب، مؤكدة أن الفكرة ممتازة ولكن التنفيذ غير المدروس قد يؤدي إلى أزمات، وأوصت بأن يتم اختيار المدارس المستهدفة بدقة، خاصة في المناطق الأكثر احتياجًا، على غرار ما حدث في مشروع «الميت مدرسة» سابقًا، مؤكدة أن التفكير الجاد في جميع الجوانب التنظيمية والرقابية هو السبيل لإنجاح المبادرة.
نقلاً عن : كشكول