هل تتمكن الهند من التوصل إلى تفاهم مع إدارة ترمب؟

كان تراجع نبرة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي أكد على الشراكة الأميركية الهندية وصداقته مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، خبراً ساراً لدى نيودلهي، لكن سيتعين الحفاظ عليه لإعطاء مودي مساحة لمحاولة إصلاح العلاقة المتعثرة مع واشنطن.
أدت الانتقادات اللاذعة من المسؤولين الأميركيين، التي تُظهر تجاهلاً للاعتزاز الوطني الهندي وتطلعات البلاد كقوة ناشئة، إلى تضييق نطاق نيودلهي للتوصل إلى تسوية. وما يزال الجانبان متفائلين بشأن التوصل إلى اتفاق بحلول نهاية العام، لكن الخلافات حول العلاقات مع روسيا وباكستان، والحساسيات الهندية بشأن الزراعة والمخاوف من أن تبدو أي تنازلات استسلاماً، ما يُضعف موقف مودي قبل انتخابات ولاية رئيسية ما تزال تحد من التقدم.
يمكن تحقيق اختراق، لكن فقط إذا خففت واشنطن من حدة الانتقادات العامة وعرضت على مودي مخرجاً. في الوقت الحالي، ما تزال الرسوم الجمركية على الهند عند 50% والمحادثات مجمدة. تعتقد الهند أن نهج ترمب، بما في ذلك هجماته على علاقة نيودلهي مع بكين وموسكو، يتجاهل قيودها ويقوّض الأهداف المشتركة في احتواء الصين.
اقرأ أيضاً: ترمب ومودي يتفقان على الحوار سعياً لحل المأزق التجاري
على النقيض من اليابان أو أوروبا، لا تعتمد الهند على الولايات المتحدة للدفاع، ولا يُرجح أن تصبح حليفاً بموجب معاهدة ولديها تعرض محدود للأسواق الأميركية، ما يقلل الضغط على التسرع في تقديم التنازلات.
ما تزال إعادة مشاركة الهند مع الصين تركز بشكل ضيق على استقرار الحدود وتأمين مكاسب اقتصادية قصيرة الأجل، في حين يساعد دورها في مجموعة ”بريكس“ في منع الكتلة من التحول بشكل علني إلى معاداة الولايات المتحدة.
مع الاعتماد الكبير على الأسلحة الروسية القديمة، فإن نيودلهي ليست في وضع يسمح لها بقطع العلاقات مع موسكو. ربما كان تقليص واردات النفط الروسية ممكناً من خلال الدبلوماسية الهادئة، لكن الضغط العلني لترمب دفع الهند إلى تأكيد استقلاليتها والدفاع عن علاقتها مع موسكو.
مخاطر سياسية واقتصادية
يتعارض تواصل ترمب مع باكستان مع المصالح الأمنية الأساسية للهند. قد يكون ترمب يبالغ في تقدير دور الولايات المتحدة في التوسط لوقف إطلاق النار والهند تقلل من شأنه. لكن الاعتراف العلني محفوف بالمخاطر السياسية بالنسبة لنيودلهي، وتاريخ ترمب في إعلان الانتصارات من جانب واحد لا يترك لمودي حافزاً كبيراً لإعادة المشاركة ما لم تُستأنف المحادثات رسمياً أو تخفف واشنطن الضغط.
ومع ذلك، تحمل الرسوم الجمركية الأميركية تكاليف حقيقية. تقدّر بلومبرغ إيكونوميكس أن معدل 50% سيخفض الصادرات الهندية المتضررة بنسبة 87%، ويخفض إجمالي الصادرات المتجهة إلى الولايات المتحدة بنحو 52% على المدى المتوسط، ويخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.9%. قد يؤدي عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية إلى الإضرار بمشاعر المستثمرين وإعاقة طموحات التصنيع في الهند.
بالنسبة للمغتربين الهنود والقوى العاملة التقنية في الولايات المتحدة، فإن عدم اليقين بشأن تأشيرات (H1B) وسياسة الهجرة يزيد مخاوفهم. كما أن الولايات المتحدة هي المصدر الرئيسي للتحويلات المالية للهند. هذه القضايا ليست جزءاً من محادثات التجارة الرسمية، لكن استعداد ترمب لربط القضايا غير التجارية يجعلها نقطة اشتعال محتملة.
رسالة شي السرية تنعش العلاقات مع الهند بعد رشقات رسوم ترمب
يمكن لاتفاقية تجارية أن تؤدي إلى استقرار العلاقات، وقد أبدت الهند مرونة. لم تتبع نيودلهي أسلوب تقديم فوز رئيسي لترمب، لكن التقارير تشير إلى أنها اقترحت خفض الرسوم الجمركية على السلع الصناعية -الجزء الأكبر من الصادرات الأميركية- إلى الصفر.
يمكن أن يساعد الإعلان عن مشتريات جديدة للدفاع والطاقة نيودلهي أيضاً في بناء حزمة تجارية أكثر إثارة للإعجاب. لدى الهند بالفعل أكثر من 3.6 مليار دولار من المشتريات الدفاعية قيد التنفيذ ويمكن أن تضيف مزيداً من الالتزامات، بما في ذلك الدفاعات الجوية الأميركية، فتمنح ترمب مكانة أقوى مع الإشارة إلى التزام طويل الأجل بالعلاقة الدفاعية الأميركية والنية لتقليل الاعتماد على روسيا.
ومع ذلك، لا يُرجح أن تفتح الهند الزراعة بشكل كبير- وهو مطلب أميركي رئيسي. ستكون التنازلات محفوفة بالمخاطر سياسياً واقتصادياً مع وجود نصف مليار مصدر رزق على المحك.
مصالح محلية
كما سمح الضغط الأميركي لمودي بتصوير نفسه كمدافع عن مصالح المزارعين قبل انتخابات ولاية مهمة في نوفمبر. ما تزال هناك بعض الإيجابيات: تستمر التدريبات العسكرية المشتركة والتعاون الفضائي بوتيرة سريعة، وقد يساعد ترشيح ترمب لسيرجيو غور -وهو أحد المقربين من الرئيس منذ فترة طويلة- سفيراً لدى الهند في إعادة بناء العلاقات، على الرغم من أن تأكيد تعيينه سيستغرق بعض الوقت.
إن الحفاظ على الارتباط مع اليابان وأستراليا (شركاء الرباعية)، وتوسيع العلاقات مع الاقتصادات الديمقراطية الأخرى، سيساعد نيودلهي على الرد على الاتهامات بالتقرب من موسكو وبكين. ومع ذلك، لا يُرجح أن تؤدي مثل هذه الخطوات إلى تغيير محادثات التجارة مع واشنطن.
لكن حتى مع وجود اتفاق، فإن التدهور الحاد في العلاقات والخطاب المتشدد بشأن اقتصاد الهند والشركات الرائدة قد أدى إلى تآكل الثقة في الولايات المتحدة كشريك يمكن الاعتماد عليه. ويُرجح أن يكون لهذه التوترات آثار طويلة المدى، ما يؤدي إلى تقويض التعاون التقني والدفاعي الذي كان يقود العلاقة في السابق.
نقلاً عن: الشرق بلومبرج