أموال الشرق الأوسط تمنح بريطانيا استراحة من فوضى ضرائب الثروات

أموال الشرق الأوسط تمنح بريطانيا استراحة من فوضى ضرائب الثروات

عادت أجزاء من اقتصاد المليارديرات في بريطانيا إلى طبيعتها المعتادة خلال بضعة أشهر من الصيف.

ففي ظل الحرّ الشديد في الشرق الأوسط، تحولت لندن مرة أخرى إلى محطة للنخبة الخليجية، استمراراً لعادة سنوية تُساعدهم في إبراز نفوذهم في الغرب وتمنحهم فرصة للهروب إلى أجواء أكثر اعتدالاً، وقد شوهد حاكم دبي في متجر “هارودز”، فيما توافد أمراء من الشرق الأوسط على الفعاليات الفروسية، في حين حضر رئيس صندوق الثروة السيادي السعودي مباريات كرة القدم.

وانضم إليهم جمع من الوزراء والأثرياء الذين تدفقوا إلى المدينة، فملؤوا بعضاً من أكثر عقاراتها ومطاعمها ونواديها الخاصة، وهي أماكن عانت مؤخراً من تداعيات رفع بريطانيا الضرائب على نخبتها الثرية.

اقرأ المزيد: هجرة الأثرياء من المملكة المتحدة أقل مما تبدو عليه

بشكل عام، يُتوقع أن ينفق الزوار القادمون إلى بريطانيا من الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى مثل السعودية والكويت ما مجموعه 3.5 مليار جنيه إسترليني (4.7 مليار دولار)، بزيادة نسبتها 27% مُقارنةً بالعام الماضي، وفقاً لوكالة السياحة الوطنية.

إلغاء الامتيازات الضريبية يدفع المليارديرات للمغادرة

يُوفر تدفق الأموال من الشرق الأوسط إلى المملكة المتحدة خلال الصيف، التي تُعد تقليدياً رائدة عالمياً في جذب أثرياء العالم، متنفساً من الاضطرابات الناجمة عن إنهاء النظام الضريبي التفضيلي للمقيمين الأثرياء القادمين من الخارج، والمعروفين باسم “الأفراد غير المقيمين”.

في مارس 2024، اقترحت الحكومة المحافظة آنذاك إنهاء النظام الذي كان يسمح لـ”غير المقيمين” بتفادي دفع الضرائب البريطانية على أرباحهم الخارجية لمدة تصل إلى 15 عاماً، واستبداله بفترة أقصر.

واعتمد حزب العمال السياسة نفسها بعد فوزه في الانتخابات العامة البريطانية العام الماضي، لكن وزيرة الخزانة رايتشل ريفز ذهبت أبعد من ذلك، إذ ألغت الإعفاءات الضريبية على ميراث أصول “غير المقيمين” في الخارج، ما دفع الكثير منهم إلى المغادرة أو التفكير بالانتقال.

تعوّل حكومة كير ستارمر على أن تُحقق هذه التغييرات نحو 33 مليار جنيه إسترليني من الإيرادات الإضافية خلال السنوات المقبلة، لكن مراكز أبحاث تُشكك في هذه الأرقام، محذّرة من تهديد محتمل للوظائف والنمو الاقتصادي.

التغيرات الضريبية تدفع ناصف ساويرس لترك لندن

من بين المليارديرات الذين غادروا بريطانيا مؤخراً، غيوم بوساز، مؤسس “تشيك أوت دوت كوم” (Checkout.com)، وثاني أغنى رجل في مصر ناصف ساويرس.

وبما أنهم عادة لا يزورون بريطانيا سوى لفترة من العام، فإن النخبة الثرية من الشرق الأوسط تتجنب في الغالب أي تعرض كبير لهذه التغييرات في القواعد الضريبية.

مع ذلك، فإن أولئك الذين يمكثون في بريطانيا طوال أشهر الصيف يحتاجون إلى توخي الحذر من القواعد المعقدة الخاصة باختبار الإقامة الضريبية، فيما يلجأ بعضهم إلى تقليص هذا الخطر عبر القيام برحلات قصيرة إلى دول مجاورة مثل إيطاليا، التي تُعد من أكبر المستفيدين من فوضى الضرائب البريطانية.

قال بيرس ماستر، الشريك في مكتب المحاماة “تشارلز راسل سبيتشليز” (Charles Russell Speechlys) في لندن والمتخصص في التعامل مع الأفراد والعائلات فائقة الثراء من الشرق الأوسط: “لدي عدد كبير من العملاء الموجودين حالياً في المملكة المتحدة، إنهم يأتون في بداية مايو ويغادرون في أواخر سبتمبر”.

قد يهمك: ضغوط بريطانية لفرض “ضريبة خروج” وسط هجرة الأثرياء إلى الإمارات

مُقارنةً بالزوار الآخرين إلى المملكة المتحدة، يميل الزوار القادمون من الشرق الأوسط إلى البقاء لفترات أطول والإنفاق ببذخ أكبر، ففي عام 2024، كانوا المجموعة الوحيدة التي تجاوز متوسط إنفاقها 2000 جنيه إسترليني لكل رحلة، وفقاً لبيانات “فيزيت بريتين” (VisitBritain) الصادرة الشهر الماضي. أما السياح الأوروبيون والأميركيون فينفقون أكثر إجمالاً، بسبب أعدادهم الأكبر.

شخصيات خليجية في فعاليات بريطانية مرموقة

من بين زوار الشرق الأوسط الآخرين للمملكة المتحدة، سلطان الجابر، أحد أبرز الشخصيات النافذة في الخليج، والذي حضر إلى “بيركلي سكوير” لافتتاح فرع “بنك أبوظبي الأول” (First Abu Dhabi Bank)، في وقت تجاوزت فيه درجات الحرارة 45 مئوية (113 فهرنهايت) في الإمارات.

ارتدى علي العلي، المدير التنفيذي لسباقات الخيول في دبي، معطفاً رسمياً، مع صديري وردي ونظارات شمسية في يونيو، لحضور سباقات “رويال أسكوت”، إحدى أرقى الفعاليات الفروسية في بريطانيا. وفي المناسبة نفسها، ظهر أمير سعودي في العربة الملكية الأولى إلى جانب الملك تشارلز والملكة كاميلا.

كما تبادل نجل أمير قطر السابق، الشيخ جاسم بن حمد بن خليفة آل ثاني، وولي عهد دبي الشيخ حمدان بن محمد، الأحاديث في مدرجات فعالية فروسية أخرى أُقيمت في لندن الشهر الماضي، عُرضت خلالها خيول عربية أصيلة.

قد يهمك أيضاً: أبوظبي تغتنم الفرصة لجذب أثرياء بريطانيا المتخوفين من الضرائب

حضر الشيخ عبد الله بن محمد آل حامد، السياسي ولاعب كمال الأجسام من أبوظبي، إلى “أسبوع لندن للتكنولوجيا” في يونيو، قبل أن يلتقي لاحقاً مع شخصيات من قطاع الصناعات الإبداعية في المملكة المتحدة وينشر عن ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد شمل هذا الجمع الممثل البريطاني جاريد هاريس، الذي جسّد شخصية الملك جورج السادس في المسلسل التلفزيوني الشهير على “نتفليكس” بعنوان “ذا كراون” (The Crown).

وقال آزاد زنغانة، رئيس قسم التحليل الكلي لمجلس التعاون الخليجي في “أوكسفورد إيكونوميكس” (Oxford Economics): “بسبب تغير المناخ، أصبح الطقس الصيفي في أنحاء مجلس التعاون صعب التحمل، لا سيما مع ارتفاع مستويات الرطوبة. وهذا يُعد دافعاً رئيسياً وراء موجة النزوح التي نشهدها خلال الصيف”.

سيارات بوجاتي وفيراري تزين شوارع لندن

يُمكن رصد مؤشرات إضافية على قضاء الأثرياء العرب عطلاتهم الصيفية في المملكة المتحدة من خلال استيراد سيارات “لامبورغيني” و”فيراري” وغيرها من السيارات الفاخرة، في إطار ما يُعرف بـ”موسم السيارات الفائقة” في لندن.

وفي مايو، كان حجم واردات السيارات من الإمارات إلى بريطانيا أكبر بعشر مرات مُقارنةً بالشهر السابق، وفقاً لبيانات جمعتها “بلومبرغ” من الإحصاءات التجارية الرسمية. فيما سجّل شهر يونيو أكبر إجمالي شهري منذ ما لا يقل عن خمس سنوات.

وفي الشهر التالي، كانت سيارة “بوجاتي” زرقاء وبيضاء تحمل لوحات إماراتية محط الأنظار خلال افتتاح شركة التطوير العقاري “بن غاطي” مقراً لها في منطقة نايتسبريدج الفاخرة بلندن، حيث ساعد الممثل الهوليوودي تيري كروز في جذب الحشود خلال الفعالية المفروشة بالسجاد الأحمر.


حضور خليجي قوي بسوق العقارات الفاخرة البريطانية

يظهر ثراء الشرق الأوسط أيضاً في سوق العقارات البريطانية.

فإلى جانب الأميركيين، بات المُشترون من الشرق الأوسط يشكلون القوة الأكبر في سوق العقارات الفاخرة جداً في لندن. وبحسب شركة الوساطة “بوشامب إستيتس” (Beauchamp Estates)، تسعى عائلات، غالباً من الإمارات وقطر والسعودية، لاقتناء مساكن كبيرة تتراوح قيمتها بين 25 مليون جنيه إسترليني و150 مليون جنيه إسترليني.

يُعد بعض الذين اشتروا منازل في لندن مؤخراً من بين الشخصيات الأكثر نفوذاً في المنطقة. فقد اشترى رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان فيلا في منطقة تشيلسي أواخر عام 2023، في واحدة من أغلى صفقات المنازل في لندن خلال السنوات الماضية. كما اشترى أمير قطري قبل عامين قصراً مُصنّفاً من الدرجة الثانية (Grade II) بين هايد بارك و”بيركلي سكوير” مقابل 39 مليون جنيه إسترليني. أما البائع فكان رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.

اقرأ أيضاً: عقارات لندن الفاخرة تجذب أكبر عدد من مستثمري الشرق الأوسط في 4 سنوات

وقال تريفور أبراهامسون، وسيط عقاري تدير شركته “غلينتري” (Glentree) مبيعات المنازل الفاخرة في لندن، إن نحو ثلث الاستفسارات التي تلقاها مؤخراً بشأن قصر ضخم معروض قرب ريجنتس بارك جاءت من مشترين من الشرق الأوسط، واصفاً المنطقة المحيطة في الصيف بأنها “عربية صغيرة”.

أضاف أبراهامسون أن نخبة الشرق الأوسط “كانوا لاعبين كباراً لسنوات طويلة” في سوق العقارات الفاخرة بالمملكة المتحدة، مؤكداً: “هذا لن يتغير بغض النظر عن النظام الضريبي”.

نقلاً عن: الشرق بلومبرج

أحمد ناجي محرر الأخبار العاجلة بموقع خليج فايف