
السؤال الأبرز الذي يثير قلق سوق الطاقة حالياً هو: لماذا تقوم الصين بتخزين كميات ضخمة من النفط؟ من أجل إيجاد إجابات عن مثل هذه الأسئلة، ترجح القاعدة الفلسفية “شفرة أوكامي” البحث عن أبسط تفسير. لذا ربما يكون الجواب مباشراً بقدر عبارة “لأن النفط رخيص”. ومع ذلك، فإن نزعة الشك بداخلي تقول إن هناك ما هو أبعد من ذلك.
فالصين اشترت أكثر من 150 مليون برميل، وبكلفة تبلغ نحو 10 مليارات دولار بالأسعار الحالية، أي فوق مستوى استخدامها الفعلي حتى الآن هذا العام. وبالنسبة إلى بلد يشتري سيارات كهربائية أكثر من أي دولة أخرى، فإن ذلك يثير الحاجة للتفصيل. كان التخزين مرتفعاً بشكل استثنائي خلال الربع الثاني، إذ تشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن الصين استحوذت على أكثر من 90% من المخزونات العالمية المسجلة. هذا ساعد على دعم الأسعار هذا العام، ومع توقع دخول سوق النفط في فائض ضخم، فإن ما إذا كانت الصين ستواصل موجة الشراء، وأياً كانت المدة، فسيكون أمراً حاسماً لعام 2026.
اقرأ المزيد: تكديس الصين لاحتياطيات النفط يربك حسابات التجار في سنغافورة
هنا ينبغي أن نعترف بما لا نعرفه. ففي مؤتمر النفط لدول آسيا والمحيط الهادئ الذي انعقد الأسبوع الماضي في سنغافورة، اتفق تجار النفط فقط على أن لدى الصين القدرة على تخزين المزيد من الخام.
وما عدا ذلك، قال إيليا بوشوييف، التاجر النفطي السابق والباحث البارز حالياً في “معهد أكسفورد لدراسات الطاقة”: “لا أحد يملك كرة بلورية لمعرفة مدة شراء الصين لأغراض التخزين الاستراتيجي”. يجب أن نكون متشككين تجاه أي شخص يدعي أنه يعرف ما يخطط له الحزب الشيوعي الصيني. بدلاً من ذلك، سأطرح بعض التخمينات المبنية على المعرفة بشأن العوامل المؤثرة. والأهم أن السياسة الصينية متعددة الأبعاد، لذا من المرجح أن تكون عدة اعتبارات متشابكة.
طالع أيضاً: توقعات بزيادة الصين وارداتها النفطية لملء الاحتياطيات
لنبدأ بالتفسيرات البسيطة:
1) الشراء الانتهازي. أثبت المسؤولون الصينيون عن السلع أنهم تجار أذكياء (يكفي النظر إلى مشترياتهم من النحاس، على سبيل المثال) ويتمتعون برؤية طويلة المدى. والنفط حالياً رخيص. بالقيمة الحقيقية، بعد تعديلها وفقاً للتأثير التراكمي للتضخم، يجري تداول خام غرب تكساس الوسيط عند مستوى يقارب السعر المسجل قبل 20 عاماً.
2) لا جدوى من الفرصة إذا لم تتوافر الإمكانيات. بالنسبة للصين، كان التوقيت مناسباً: فقد دخلت قدرات تخزين جديدة الخدمة مؤخراً، وهناك المزيد متاح لعام 2026. حتى الآن، تشير تقديرات السوق إلى أن نحو نصف صهاريج وكهوف التخزين في الصين لا تزال خاوية.
3) قوانين جديدة رفعت الحاجة للتخزين. استحدثت الصين قانوناً للطاقة بدأ تطبيقه في الأول من يناير أقرّ للمرة الأولى التخزين الاستراتيجي كالتزام قانوني على الشركات الحكومية والخاصة. وبذلك، باتت الدولة تتشارك مسؤولية التخزين مع القطاع التجاري، ما وضع أساساً قانونياً لزيادة إجمالي المخزونات النفطية. هذا التغيير القانوني لا يُناقش كثيراً، لكن يبدو أنه لعب دوراً رئيسياً في زيادة المشتريات.
حتى هنا، لكان وليام أوكامي، الراهب الفرنسيسكاني في القرن الرابع عشر الذي ترك بصمته في علم المنطق، فخوراً. فهذه التفسيرات الثلاثة واضحة، ومن المرجح أن جميعها صحيحة. لكن على الأرجح هناك ما هو أبعد من ذلك، بما يشمل شيئاً من “الواقعية السياسية”، إن لم يكن نظريات المؤامرة.
4) تعزيز أمن الطاقة. أدركت الصين أنها بحاجة إلى تعزيز أمنها النفطي في عالم تستخدم فيه الولايات المتحدة العقوبات والرسوم الجمركية بلا قيود. اليوم، تشتري الصين 20% من نفطها من دول خاضعة لعقوبات أميركية، خصوصاً إيران وروسيا وفنزويلا. ولا يمكن لأي منها ضمان أن واشنطن لن تتمكن، على أقل تقدير، من عرقلة هذا التدفق مستقبلاً، لذلك فإن بناء مخزونات أكبر يبدو الخيار الحكيم. السؤال الوحيد هو: ما هو المستوى الكافي؟ حالياً، تمتلك الصين مخزونات تعادل 110 أيام من الاستهلاك. وإذا صدقت الأنباء المتداولة في سنغافورة، فإن ذلك قد يمتد إلى ما بين 140 و180 يوماً في 2026.
5) الخشية من انقطاع الإمدادات لأسباب أخرى. هل تخشى الصين انقطاع الإمدادات أبعد من العقوبات الأميركية والأوروبية؟ التجار الذين يروجون للسيناريوهات المثيرة لا يذكرون سوى كلمة واحدة: تايوان. بالنسبة لأقلية بارزة في سوق النفط، فإن الشراء الإضافي منطقي إذا كانت بكين تستعد لصراع عسكري. من هذا المنظور، فإن أبسط تفسير للتخزين هو أنه استعداد للحرب. بالنسبة لهم، تلتقي شفرة أوكامي بسهولة مع نظرية المؤامرة.
6) التنويع بعيداً عن الأصول الأميركية. قد ترى الصين النفط بديلاً عن سندات الخزانة الأميركية، ووسيلة لتقليل انكشافها على الأصول الأميركية. وبالتالي، فإن استثمار نحو 10 مليارات دولار في النفط عام 2025، وربما مبلغ مماثل في 2026، يمثل وسيلة لتنويع احتياطياتها الأجنبية. فبكين تشتري الذهب أيضاً وتستثمر في أصول غير مقومة بالدولار.
بجمع هذه العوامل معاً، يصعب تجنب الاستنتاج التالي: من المرجح أن تواصل الصين تخزين النفط في 2026 لأسباب تجارية واستراتيجية، مستوعبة جزءاً من الفائض العالمي المتوقع. سواءً التزمنا بمبدأ شفرة أوكامي، أو لجأنا إلى التخمينات المعقدة، تمتلك بكين أسباباً قوية لبناء مزيد من المخزونات النفطية.
نقلاً عن: الشرق بلومبرج