
يُعتبر كل ما في شجرة “التبلدي” استثنائيًا وخارقًا للمألوف، حتى بدت أسطورة حية قائمة بذاتها، بداية من جذعها الضخم وارتفاعها الشاهق، فضلًا عن قدرتها على تخزين المياه لسنوات، وثمارها التي تمنح الجميع أسرار الصحة والعافية والوقاية من معظم الأمراض، ولم يكن غريبا أن تتحول إلى مصدر إلهام للشعراء والمحاربين عبر العصور.
وتنمو شجرة “التبلدي” بكثافة في إقليم كردفان، غرب السودان، وتتميز بجذع مجوف يصل قطره إلى 11 مترا، كما قد يصل ارتفاعها أحيانا إلى 30 مترا، وتعد بمثابة مستودعات حية لتخزين المياه ليشرب منها الإنسان والحيوان، على حد سواء.
وتحولت الشجرة إلى رمز للقدرة على الصمود في وجه الأزمات والنجاة من الحروب والكوارث الطبيعية، حتى ارتبط بها السودانيون بشكل عاطفي وحضاري نادر المثال، فهي تستطيع أن تعمر أكثر من 1000 عام لتمنح أهل البلاد سر الخلود والقدرة على التأقلم والتكيف مع المتغيرات العنيفة بشكل بارع.
ملهمة الشعراء
وتغنى كثير من الشعراء السودانيين بمكانة الشجرة عندهم ورمزيتها الثقافية والتاريخية وأبرزوا مدى ارتباطهم العاطفي بها، لاسيما إذا تم قطع واحدة منها لسبب من الأسباب.
ومن أبرز القصائد التي كُتبت فيها، هي تلك التي كتبها الشاعر جعفر محمد عثمان خليل بعنوان “تبلدية”، والتي يعبر فيها عن شوقه وحنينه لشجرة “تبلدي” كانت في داره.
ويقول الشاعر في مطلع القصيدة:
ذكرى وفاءٍ وودّ عندي لبنت التبلدي / في كلّ خفقة قلبٍ وكلّ زفرة وجدي
فيا ابنة الروض ماذا جرى لمغناك بعدي؟ / مازلتِ وحدك إلفي يا ليتني لك وحدي
هل تذكرين عهوداً قد عشتها في جنابك؟ / وهل شـــجـــاك غيــــــابي ؟ إنّي شجٍ لغيابك
مازلت في البــــــــعد أحيا كأنني في رحابك / هذا شبـــابي يولي فكيــــف حال شبابك؟
رمزية تاريخية واجتماعية
ويقيم كثير من السودانيين حفلاتهم الاجتماعية حول شجرة “التبلدي”، فضلا عن نحر الذبائح وإقامة الولائم والشواء، في طقوس مبهجة بالهواء الطلق، وسط الموسيقى والغناء والأهازيج.
وتاريخيًا، تكتسب “التبلدي” دلالة خاصة حيث أسهمت في تقديم دعم كبير لمؤسس “الدولة المهدية”، الإمام محمد أحمد المهدي وهو يخوض معركة “شيكان” أمام حملة “هكس باشا” عام 1883.
ويؤكد كثير من الباحثين والمؤرخين أن الشجرة كانت بمثابة “نقطة تجمع” تحتشد حولها قوات المهدي وتتلقى الأوامر من القيادة، كما كانت مكانا يتلقى فيه الزعيم البيعة من السكان.
صيدلية طبيعية
وكثيرا ما توصف ثمار وفاكهة “التبلدي”، المعروفة أيضا باسم “القنقليز”، بأنها “صيدلية طبيعية” حيث تعالج الكثير من الأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم وضعف المناعة والحمى وأمراض الغدد والإمساك.
وتساعد بشكل لافت في ضبط مستوى السكر والكوليسترول وزيادة الطاقة وتقوية العظام، فضلا عن احتوائها على قدر كبير من فيتامين سي ومضادات الأكسدة، إضافة إلى عناصر المغنيسيوم والبوتاسيوم والحديد والزنك.
نقلاً عن: إرم نيوز