كيف أصبح جيل ألفا قوة مالية صاعدة رغم صغر سنه؟

كيف أصبح جيل ألفا قوة مالية صاعدة رغم صغر سنه؟

قديماً، كانت بضعة قروش كفيلة بإسعاد طفل، فيمسك بها ككنز ثمين، ويسرع لشراء ما يطيب له من سكاكر وحلويات، أو يدخرها مع عيدياته في حصّالات تثقل يوماً بعد يوم، بانتظار اللحظة التي تُكسَر فيها لتحقيق حلم بنزهة أو لعبة طال انتظارها.

اليوم، بات الأطفال يستخدمون تطبيقات على أجهزة لوحية للقيام بمشترياتهم ببضع نقرات، فتحولت القروش المعدنية إلى أموال رقمية، والحصّالات التقليدية إلى تطبيقات ادخار. ومع هذا التحول، أصبح مصروف الجيب جزءاً من قوة شرائية ضخمة تقدّر بمليارات الدولارات سنوياً، وتستقطب كبرى العلامات التجارية.

اللافت أن الأهل الجدد باتوا يمنحون أبناءهم من جيل ألفا صلاحيات أوسع في اتخاذ القرارات المالية داخل الأسرة، فيما يمتلك الأطفال معرفة واسعة عن التقنيات الحديثة قد تفوق حتى ما يعرفه ذووهم، فيوجّهون الأهل نحو منصات جديدة وأدوات مالية مبتكرة، أو يمارسون بأنفسهم التجارة الإلكترونية، كما قد يكسبون المال عبر التأثير على الإنترنت. فكيف تحوّل الجيل الأصغر سناً إلى قوة مؤثرة تسهم في رسم ملامح الاقتصاد؟

من هم جيل ألفا؟

يشير مصطلح “جيل ألفا” إلى الأشخاص المولودين بين عامَي 2010 و2024 تقريباً، وهم أول جيل ينشأ منذ ولادته في عالم رقمي متكامل تحكمه الهواتف الذكية والتطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعي.

يختلف هذا الجيل عن سابقيه بارتباطه العميق بالتكنولوجيا التي يتعرض لها منذ سنواته الأولى، ما يجعله الجيل الأكثر إلماماً بالتقنية والأكثر استعداداً للتعامل مع الابتكارات المستقبلية.

 ومع أنهم ما زالوا في مرحلة الطفولة أو بداية المراهقة، فإن تأثيرهم واضح في توجيه الخيارات الاستهلاكية للأسرة، من الطعام والألعاب والموضة إلى التعليم والترفيه، حتى أن بعضهم يمارسون أعمالاً جانبية تدرّ عليهم دخلاً، مستغلين حضورهم الرقمي، سواء من خلال التأثير على الإنترنت أو التجارة الرقمية أو الألعاب الإلكترونية، وغيرها، ولو أن التوقعات تشير إلى أن أبناء هذا الجيل سيتأخرون في دخول سوق العمل مقارنة بالأجيال السابقة لأنهم سيمضون وقتاً أطول في التعليم.

قوة اقتصادية لا يستهان بها

رغم صِغر سنّهم، يفرض أبناء جيل ألفا حضوراً اقتصادياً متنامياً يوجّه خيارات كبرى العلامات التجارية. إذ أظهر تقرير صادر عن شركة العلاقات العامة “DKC” في أغسطس 2025 أن إنفاق هذا الجيل في الولايات المتحدة يتجاوز 100 مليار دولار سنوياً، بمعدل 67 دولاراً أسبوعياً للطفل الواحد، أو ما يعادل نحو 3,500 دولار سنوياً. ويبيّن الاستطلاع أن ما يقارب نصف قرارات إنفاق الأسر تتأثر بآراء الأطفال،

وبحسب تقديرات شركة الاستشارات “McCrindle”، إلى أنه بحلول 2029، ومع دخول الشريحة الأكبر سناً منهم مرحلة البلوغ والأصغر منهم عمر خمس سنوات، ستتجاوز بصمتهم الاقتصادية العالمية 5.46 تريليون دولار.

كيف يتثقفون مالياً؟

يُظهر جيل ألفا وعياً مالياً مبكراً، ويجيد التعامل مع المال بصورة رقمية، إذ وصفته مجلة “فوربس” بجيل “الأطفال بلا نقود” الذين يعتمدون على التطبيقات والبطاقات المدفوعة مسبقاً بدلاً من الحصّالات التقليدية.

وفي هذا السياق، كشف تقرير صادر عن ماستركارد أن 94% من أطفال جيل ألفا في آسيا والمحيط الهادئ يمتلكون حسابات مالية تتوزع بين محافظ رقمية (58%) وحسابات استثمارية (49%) وبطاقات ائتمان (48%)، فيما أقر 47% من الآباء بأن أبناءهم عرّفوهم على أدوات مالية لم يكونوا يعرفونها من قبل.

كما أظهر استطلاع شركة DKC أن 97% من الآباء من جيل الألفية يحرصون على تعليم أطفالهم أساسيات الميزانية منذ سن مبكرة، وأن 44% من الأهل باتوا يعتمدون أكثر على المال الرقمي تحت تأثير أبنائهم.

يتعلم الأطفال عن المال أيضاً من خلال الألعاب الرقمية، مثل “روبلوكس” وغيرها من الألعاب التي تتضمن عملات افتراضية تعرّفهم إلى مفاهيم الكسب والإنفاق والادخار، رغم أن بعض الدراسات حذرت من أن بعض الألعاب قد تقود الأطفال إلى ممارسات شبيهة بالقمار لاحقاً.

يلعب المؤثرون على الإنترنت دوراً مكمّلاً في هذا المسار، إذ أشار تقرير صادر عن شركة “ديجيتال فويسز” (Digital Voices) إلى أن نحو نصف هذا الجيل يثق بالمؤثرين بقدر ثقته بأسرته وأصدقائه عند اختيار المنتجات، فيما 55% من الأطفال يرغبون في شراء منتج يظهر به نجمهم المفضل على يوتيوب أو إنستغرام، وأن 57% منهم يقضون أكثر من ثلاث ساعات يومياً على الأجهزة الرقمية، ما يزيد تعرضهم لمحتوى المؤثرين ورسائلهم التسويقية.

وهذا تأثير ذو حدّين، فرغم استفادة الأطفال من بعض النصائح التي يقدمها المؤثرون، إلا أن المؤثرين الماليين (Finfluencers) يطرحون بعض المخاطر، بحسب المنتدى الاقتصادي العالمي، أبرزها جودة النصائح وغياب الشفافية. فمؤهلاتهم تتفاوت بين أشخاص تعلموا بأنفسهم وآخرين يحملون اعتمادات رسمية، ما يجعل من الصعب على المستثمرين المبتدئين تمييز مدى موثوقية المعلومات. كما أن كثيراً منهم يحققون دخلاً ي من خلال الشراكات الإعلانية والرعايات التجارية، ما يخلق تضارباً محتملاً في المصالح غالباً ما يكون غير مُفصح عنه أو يصعب على الجمهور اكتشافه.

تلعب المدارس أيضاً دوراً أساسياً في ترسيخ الثقافة المالية. ففي الولايات المتحدة، أصبح محو الأمية المالية مادة إلزامية في بعض المقاطعات التعليمية بولايات مثل فلوريدا وأوهايو.

وفي الإمارات، أطلقت مؤسسة صندوق المعرفة بالتعاون مع الصكوك الوطنية برنامج “المستثمر الصغير”الذي يعتبر أول برنامج للثقافة المالية على مستوى منطقة الشرق الأوسط. وتهدف هذه المبادرة إلى تعزيز المعرفة المالية بين طلاب المدارس في عمر مبكر عن طريق توفير بيئة تعليمية شاملة.

كيف يجني جيل ألفا المال؟

أصبح جيل ألفا أكثر جرأة مالياً مقارنة بالأجيال السابقة، إذ يسعى منذ سن مبكرة إلى كسب المال بطرق متعددة. ووفقاً لتقرير “DKC”، يكسب 91% من الأطفال الأميركيين بين 8 و14 عاماً دخلاً بوسائل متنوعة؛ حيث يحصل 72% على المال من ذويهم مقابل الأعمال المنزلية، و66% كمكافأة على العلامات أو السلوك الجيد، و40% من أعمال جانبية خارج البيت، فيما يكسب 20% من التجارة الرقمية مثل إعادة البيع عبر الإنترنت.

وفي المملكة المتحدة، أظهرت بيانات شركة “غو هنري” (GoHenry) أن 27% من الأطفال يجنون دخلاً من التأثير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بمتوسط يبلغ نحو 12 دولاراً شهرياً. ومع ذلك، برز مؤثرون صغار تمكنوا من تحقيق ملايين الدولارات بفضل قنواتهم على يوتيوب أو من خلال محتوى تسويقي.

ومن أبرز الأمثلة الطفل رايان كاجي (14 عاماً)، الذي بدأ مسيرته عبر مقاطع منزلية بسيطة لفتح صناديق الألعاب، قبل أن يتوسع نشاطه ليشمل خطوط منتجات وشخصيات كرتونية. وقد حلّ في المرتبة الواحدة والعشرين على قائمة فوربس لأبرز صانعي المحتوى لعام 2025، بإيرادات بلغت 35 مليون دولار. كما برزت أسماء أخرى مثل ناستيا وديانا وروما وفلاد ونيكي، إلى جانب قائمة طويلة من المؤثين الصغار حول العالم ممن جمعوا ملايين المشاهدات والعوائد.

لكن انتشار هذه الظاهرة أثار انتقادات من منظمات حقوقية حذّرت من أن تحويل حياة الأطفال اليومية إلى محتوى عام قد يعرّضهم لضغوط نفسية وانتهاك لخصوصيتهم، فضلاً عن تسليع طفولتهم لصالح العائلات أو الشركات. وتُدار معظم هذه الحسابات بإشراف الأهل بسبب قيود العمر والمتطلبات القانونية والمالية، ما عزّز المطالب بسنّ قوانين واضحة لحماية الأطفال المؤثرين على الإنترنت، التي وصفهم البعض بعمالة الأطفال.

أين ينفق الأطفال أموالهم؟

تهيمن الألعاب الرقمية والتسوق عبر الإنترنت على إنفاق جيل ألفا. إذ استحوذت الألعاب الإلكترونية على 32.6% من إجمالي إنفاقهم، بينما شكل التسوق عبر منصات مثل “أمازون ماركت بليس” نحو 27.2%، وفق استطلاع أجرته شركة “كاكستون” (Caxston) البريطانية. كما ارتفع متوسط إنفاق الطفل بين 2017 و2023 بأكثر من 123%، ما يعكس تنامي القوة الشرائية الرقمية لهذه الفئة.

وبحسب تقرير DKC، تصدرت علامات مثل “روبلوكس” و”نايكي” و”أمازون” و”شي إن” و”سيفورا” و”ليغو”، وغيرها قائمة أكثر الأسماء حضوراً في أحاديث الأطفال، رغم أن كثيراً منها لم يُصمَّم أساساً لهذه الفئة العمرية، لكنها استحوذت على اهتمامهم بشكل لافت.

 كما تحولت الفتيات الصغيرات إلى شريحة رئيسية في سوق المكياج والعناية بالبشرة، مع إنفاق يُقدَّر بمليارات الدولارات سنوياً، ونشأت ظاهرة ما بات يُعرف بـ “أطفال سيفورا” نتيجة المقاطع المنتشرة على منصات التواصل التي توثق تسوقهن في متاجر التجميل.

هذا النفوذ المبكر يجعل جيل ألفا قوة استهلاكية صاعدة قادرة على إعادة تشكيل استراتيجيات كبرى العلامات التجارية، التي تسعى بدورها إلى بناء ولاء طويل الأمد مع هذه الشريحة منذ الطفولة.

فرص رقمية

يفتح جيل ألفا الباب أمام المصارف والعلامات التجارية لتطوير منتجات مالية مبتكرة تستجيب لاحتياجاتهم منذ الصغر. وانتشار المحافظ الإلكترونية والحسابات الاستثمارية المبسطة والبطاقات المسبقة الدفع المخصّصة للأطفال يعكس توجهاً لبناء علاقة مبكرة مع هذه الفئة التي ستقود الاقتصاد مستقبلاً. 

بات الأطفال يستخدمون هذه الأدوات بوعي متزايد، ما يشجع المؤسسات المالية على تصميم تطبيقات تعليمية تفاعلية وحسابات ادخار موجهة لهم. كما يبدأ أبناء هذا الجيل بالتعامل مبكراً مع العملات المشفّرة وتقنية البلوك تشين.

وكان تقرير صادر عن شركة “تي رو برايس” (TRowePrice) في عام 2022 أشار إلى أن الأطفال أكثر إلماماً بالعملات المشفّرة من آبائهم. فقد قال 57% من الأطفال الذين شملهم الاستطلاع إنهم على دراية بالعملات المشفّرة، مقارنة بـ47% من الآباء. ومن بين الآباء الملمين بالعملات المشفّرة، أقرّ 32% بأن أبناءهم يتداولون العملات والأصول الرقمية بشكل أنشط منهم.

من الفكة إلى الكريبتو.. كيف تغير شكل العيدية في العالم العربي؟

إلى ذلك، تسهم تطبيقات تعتمد على الذكاء الاصطناعي في تعزيز وعيهم المالي، من خلال أدوات تفاعلية لتعليم الادخار ووضع الميزانيات وتخطيط المصاريف.

نقلاً عن: الشرق بلومبرج

أحمد ناجي محرر الأخبار العاجلة بموقع خليج فايف