
تعد مهمة “فوبوس-غرنت” الروسية، التي أُطلقت عام 2011 لاستكشاف قمر المريخ “فوبوس”، فصلًا هامًا في تاريخ استكشاف الفضاء.
كان الهدف من هذا المشروع الطموح هو جمع عينات من “فوبوس” وإعادتها إلى الأرض، ما يمثل عودة روسيا إلى البعثات بين الكواكب بعد عقود من الغياب، وفقا لمجلة “ذا ناشونال إنترست” الأمريكية.
إلا أن الفشل النهائي لمهمة “فوبوس-غرنت” سلّط الضوء على تحديات السفر في الفضاء السحيق، من الأعطال التقنية إلى العقبات الجيوسياسية.
ومع ذلك، درست روسيا خططاً محتملة لمتابعة لاحقة لمهمة “فوبوس”، إذ لا يزال يُثير اهتمام العلماء الروس، أكثر حتى من المريخ نفسه.
مركبة “فوبوس-غرنت”
انطلقت مركبة “فوبوس-غرنت” الفضائية، التي طورتها وكالة الفضاء الروسية روسكوسموس، في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، من قاعدة بايكونور الفضائية في كازاخستان. يُترجم اسم “فوبوس-غرنت” إلى “فوبوس-تربة”، ما يُبرز هدفها الرئيسي: جمع مواد قمرية من سطح فوبوس وإعادتها لتحليلها. كانت هذه لتكون أول عينة تعود من قمر مريخي، ما قد يكشف عن أدلة حول تكوين النظام الشمسي.
وقعت مأساة بعد وقت قصير من الإطلاق. فقد دخلت المركبة الفضائية بنجاح مدارًا أرضيًا منخفضًا، لكنها فشلت في إشعال محركاتها لإطلاق الوقود للعبور إلى المريخ.
عزا المهندسون ذلك إلى خطأ برمجي في نظام التحكم في الطيران، ربما تفاقم بسبب تلف إشعاعي أو خلل في مكوناتها. وعلى الرغم من المحاولات المحمومة لإعادة برمجة المسبار عن بُعد، كان الاتصال متقطعًا، وحُكم على المهمة بالفشل.
وفي يناير/ كانون الثاني 2012، بعد شهرين تقريبًا من الإطلاق، عادت مركبة “فوبوس-غرنت” إلى الغلاف الجوي للأرض وتفككت فوق المحيط الهادئ. كلف هذا الفشل روسيا ما يُقدر بـ 170 مليون دولار، ووجه ضربة قاصمة لهيبة وكالة الفضاء الروسية، التي كانت تعاني بالفعل من تخفيضات في التمويل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
كشفت التحقيقات اللاحقة عن مشاكل منهجية: التطوير المتسرع، والتكنولوجيا القديمة، والاختبارات غير الكافية. دفعت هذه الحادثة إلى إصلاحات، بما في ذلك تحسين مراقبة الجودة وتعزيز التعاون الدولي. مع ذلك، لا يزال فشل مهمة “فوبوس-غرنت” دراسة حالة في مآزق هندسة الفضاء، وكثيرًا ما يُستشهد به في مناقشات مخاطر استكشاف المريخ والبعثات الفضائية الروسية.
إحياء استكشاف فوبوس
أعربت روسيا في هذا العام 2025 عن اهتمامها بإحياء استكشاف فوبوس، على الرغم من أن الخطط الملموسة لا تزال غير واضحة وسط التوترات الجيوسياسية وقيود الميزانية. وفي أعقاب كارثة عام 2011، أعلنت وكالة الفضاء الروسية روسكوسموس عن “فوبوس-غرنت 2 في عام 2012، بهدف إطلاقه في عشرينيات القرن الحادي والعشرين مع تحسين التكرار وقدرات إعادة العينات.
وكما هو الحال مع العديد من الأمور التي ترغب روسيا في القيام بها، فقد توقف تقدم هذه المهمة الجديدة بسبب الصراع في أوكرانيا، والعقوبات الغربية.
ومع ذلك، تشير التحديثات الأخيرة إلى إمكانية إعادة إطلاقها. ففي عام 2024، ناقش المسؤولون الروس دمج أهداف “فوبوس” في استراتيجيات المريخ الأوسع، وربما التعاون مع الصين في إطار محطة أبحاث القمر الدولية. وبينما لا يوجد تاريخ محدد لإطلاق مهمة “فوبوس” مخصصة، فإن خطة روسكوزموس الفضائية للفترة 2022 – 2030 تتضمن دراسات قمر المريخ، ما يُلمح إلى إجراء استطلاع مداري قبل عودة العينات.
ضغوط لإثبات الجدارة
ويتوقع الخبراء إطلاق مهمة “فوبوس” جديدة بحلول عام 2030، مستفيدةً من التطورات في الدفع والذكاء الاصطناعي لضمان مسارات أكثر أمانًا. ومع ذلك، مع نجاح مركبة ناسا الجوالة “بيرسيفيرانس” والمركبة الصينية “تيانوين-١” على المريخ، تواجه روسيا ضغوطًا لإثبات جدارتها في استكشاف الكواكب.
وينبع اهتمام روسيا بـ”فوبوس” بدرجة أعلى من الاهتمام بالمريخ من مزايا علمية ولوجستية واستراتيجية. “فوبوس”، أحد قمري المريخ (إلى جانب ديموس، جسم صغير يشبه حبة البطاطس تقريبًا، يبلغ قطره حوالي 22 كيلومترًا، وجاذبيته ضئيلة للغاية، مما يجعل الهبوط والإقلاع أسهل بكثير من سطح المريخ، حيث يشكل دخول الغلاف الجوي ومتطلبات الوقود الضخمة عقبات. تتطلب مهمة إلى فوبوس دلتا-في تغيرًا في السرعة أقل لرحلات العودة، مما يقلل التكاليف والمخاطر مقارنةً بعودة عينات المريخ.
ومن الناحية العلمية، يُثير “فوبوس” الفضول كونه كويكبًا مُحتملًا أو حطامًا ناتجًا عن اصطدام هائل بالمريخ. قد يكشف تحليل تركيبه أسرارًا حول تاريخ المريخ، وموارده المائية، وحتى أصول الحياة في النظام الشمسي.
نقطة انطلاق
يرى العلماء الروس، الذين يعتمدون على مسابير المريخ التي أُطلقت في الحقبة السوفيتية – مثل “فوبوس 1 و2” في عامي 1988 و1989، والتي فشلت جزئيًا ولكنها قدمت بيانات – أن “فوبوس” يُمثل “نقطة انطلاق” لبعثات المريخ البشرية. قد يحتوي غباره على مقذوفات مريخية، مما يُقدم رؤى غير مباشرة عن المريخ دون تعقيد مهمة المريخ المباشرة.
علاوة على ذلك، يُتيح التركيز على “فوبوس” لروسيا ترسيخ مكانتها في مجال استكشاف الفضاء، متجنبةً المنافسة المباشرة مع مركبات “ناسا” الجوالة المخصصة لاستكشاف المريخ. وحتى الآن، لم تبذل “ناسا” جهدًا يُذكر في مشروعي “فوبوس” و”ديموس”، مُركزةً في الغالب على الكوكب الأحمر نفسه.
ألغاز كونية
يتماشى هذا الاهتمام مع الأهداف الروسية طويلة المدى، مثل إنشاء موقع متقدم على المريخ، حيث يُمكن أن يُستخدم “فوبوس” كمستودع للوقود في حال تأكيد وجود جليد مائي. يُحاكي هذا الاهتمام التوجهات العالمية، حيث تستهدف مهمة “MMX” اليابانية القادمة أيضًا إعادة عينات من “فوبوس”، مما يُؤكد على تنامي أهمية القمر.
لذا، على الرغم من أن فشل مهمة “فوبوس-غرنت” عام 2011 كان انتكاسة، فإنه ليس نهاية أحلام روسيا في استكشاف قمر المريخ، لا سيما في ضوء تحالفها المتنامي مع القوة الفضائية الصينية الطموحة. وفي حين لم يتم تأكيد أي مهمة “فوبوس” فورية، فإن التخطيط الجاري يعكس طموحًا راسخًا.
وبإعطاء الأولوية لـ”فوبوس” على المريخ، تُعزز روسيا من مزاياها الفريدة لتحقيق اكتشافات رائدة. ومع تركيز وكالات الفضاء في جميع أنحاء العالم على أقمار الكوكب الأحمر، يظل “فوبوس” بمثابة نقطة تحول رئيسية في كشف الألغاز الكونية.
نقلاً عن: إرم نيوز