
تعتزم شركة “إنفيديا” (Nvidia Corp) استثمار ما يصل إلى 100 مليار دولار في “أوبن إيه آي” (OpenAI) لدعم بناء مراكز بيانات جديدة وبنية تحتية للذكاء الاصطناعي، في صفقة ضخمة تعكس الطلب المتسارع على أدوات الذكاء الاصطناعي مثل “ChatGPT” والقوة الحاسوبية اللازمة لتشغيلها.
وقالت الشركتان يوم الاثنين إنهما وقّعتا خطاب نوايا لاتفاق استراتيجي، يهدف إلى بناء مراكز بيانات بطاقة لا تقل عن 10 غيغاواط، مجهزة بشرائح “إنفيديا” المتقدمة لتدريب ونشر نماذج الذكاء الاصطناعي.
استثمار على مراحل
بحسب مصادر مطلعة، سيوفر التمويل على مراحل، بدءاً بـ10 مليارات دولار عند توقيع الاتفاقية، على أن تضخ المبالغ الإضافية مع دخول كل غيغاواط جديد من القدرة الحاسوبية حيز التنفيذ. وستُنفذ “إنفيديا” الاستثمار نقداً مقابل الحصول على حصة في “أوبن إيه آي”.
ورحّب المستثمرون بالاتفاق، لترتفع أسهم “إنفيديا” 3.9% في نيويورك، ما عزز مكاسبها السنوية إلى نحو 37%، ما يعزز مكانتها كأعلى شركة قيمة في العالم. أما “أوبن إيه آي”، فقد كانت تجري الشهر الماضي محادثات لبيع أسهمها بتقييم يصل إلى 500 مليار دولار، وفق تقرير سابق لـ”بلومبرغ نيوز”.
يمثل المشروع واحداً من أكبر الجهود لبناء مراكز بيانات تدعم الجيل الجديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهي مهمة قد تكلف تريليونات الدولارات على مستوى العالم، وتتطلب شرائح متطورة وخوادم وأنظمة تبريد وكميات هائلة من الكهرباء. وتبلغ الطاقة المستهدفة للمشروع، عند 10 غيغاواط، ما يعادل تقريباً ذروة استهلاك الكهرباء في مدينة نيويورك.
وقال جنسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لـ”إنفيديا”: “هذا الاستثمار والشراكة في البنية التحتية يمثلان قفزة جديدة إلى الأمام — عبر نشر 10 غيغاواط لتشغيل عصر جديد من الذكاء.”
تعزيز موقع “إنفيديا”
تسعى “إنفيديا” عبر هذه الخطوة إلى ضمان بقاء تقنياتها في صميم أنظمة الذكاء الاصطناعي. ويعزز الاتفاق شراكتها مع “أوبن إيه آي”، التي تقود سوق روبوتات الدردشة وتوسّع بنيتها التحتية. كما يتماشى مع أولويات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتعزيز البنية التحتية التكنولوجية المحلية، في وقت تسعى فيه الشركة إلى تخفيف القيود المفروضة على صادراتها إلى الصين.
وكانت “إنفيديا” وافقت الأسبوع الماضي على استثمار يصل إلى 5 مليارات دولار في شركة “إنتل”، المدعومة جزئياً من الحكومة الأميركية.
من جانبه، قال سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لـ”أوبن إيه آي”، إن الصفقة ستفتح الطريق أمام “اختراقات جديدة في الذكاء الاصطناعي” من خلال تأمين القدرة الحاسوبية اللازمة: “كل شيء يبدأ بالحوسبة، فهي البنية التحتية للاقتصاد المستقبلي.”
ويستخدم “ChatGPT” حالياً نحو 700 مليون شخص أسبوعياً، ما يتطلب قدرات حاسوبية هائلة، لطالما شكّلت قيداً على قدرة الشركة في تلبية الطلب، خصوصاً عند إطلاق منتجات جديدة. وأشار ألتمان الأحد على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن شركته ستطرح قريباً منتجات جديدة “كثيفة الحوسبة”.
“إنفيديا” تدعم الذكاء الاصطناعي في بريطانيا بملياري جنيه إسترليني
مشروع عملاق قد يتجاوز الاستثمار نفسه
لم تكشف شركتا “إنفيديا” و”أوبن إيه آي” عن تفاصيل حجم الاستثمار أو توقيته الدقيق، مكتفيتين بالقول في بيانهما إنهما “تتطلعان إلى استكمال تفاصيل هذه المرحلة الجديدة من الشراكة الاستراتيجية في الأسابيع المقبلة”.
قال جنسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لـ”إنفيديا”، إن المشروع سيشمل استخدام نحو 5 ملايين شريحة من إنتاج الشركة — أي ما يعادل كامل شحناتها المتوقعة خلال هذا العام. ووصفه بأنه “مشروع عملاق” في مقابلة مع قناة “CNBC”.
وتنشط “إنفيديا” في إبرام صفقات مماثلة لتوسيع البنية التحتية الحاسوبية في المملكة المتحدة وفرنسا والشرق الأوسط، كما دعمت عدداً من شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة. وقال المحلل ستيسي راسغون من “برنشتاين ريسيرتش” إن هوانغ “يبدو في موجة صفقات متواصلة حالياً”، مضيفاً أن “حجم شراكة أوبن إيه آي يتجاوز كل الصفقات الأخرى حتى الآن”.
وأوضح راسغون أن العائدات المتوقعة من الشراكة قد تفوق قيمة الاستثمار نفسه، إذ إن كل غيغاواط من القدرة الحاسوبية لمراكز البيانات يتطلب منتجات من “إنفيديا” بقيمة عشرات المليارات من الدولارات.
التزام تجاه العملاء الآخرين
من جانبها، أكدت “إنفيديا” أن الصفقة مع “أوبن إيه آي” لن تعني تراجع أولوية باقي عملائها، مشددة: “استثماراتنا لن تغيّر تركيزنا أو تؤثر على إمداداتنا لعملائنا الآخرين. سنواصل اعتبار كل عميل أولوية قصوى، سواء امتلكنا حصصاً في شركته أم لا.”
وأنهت الشركة أحدث ربع مالي لها باحتياطيات نقدية بلغت 56.8 مليار دولار، فيما قالت المديرة المالية كوليت كريس هذا الشهر إن “إنفيديا” ستستخدم قوتها المالية المتنامية لتسريع نشر تقنيات الحوسبة الخاصة بالذكاء الاصطناعي.
تهيمن “إنفيديا” على سوق المسرّعات المخصصة للذكاء الاصطناعي، وهي شرائح فائقة القوة تدعم تطوير وتشغيل النماذج. لكن هذا النفوذ المتنامي جذب تدقيقاً متزايداً، إذ فتحت وزارة العدل الأميركية العام الماضي تحقيقاً حول احتمال انتهاك الشركة قوانين مكافحة الاحتكار. وحتى الرئيس الأميركي دونالد ترمب لمح إلى احتمال “تفكيك إنفيديا” لتعزيز المنافسة، مع إقراره بصعوبة تمكّن منافسين من اللحاق بها.
سباق استثمارات المراكز العملاقة
تمثل الصفقة الأحدث في سلسلة من الاستثمارات الضخمة لبناء مراكز بيانات للذكاء الاصطناعي. عقدت “أوبن إيه آي” شراكة مع “أوراكل كورب” لبناء قدرة حاسوبية قدرها 5 غيغاواط ضمن مشروع “ستارغيت” الجاري في تكساس.
وفي يناير الماضي، أعلنت “أوبن إيه آي” و”أوراكل” و”سوفت بنك غروب” عن استثمار قدره 500 مليار دولار لإنشاء قدرة تبلغ 10 غيغاواط خلال أربع سنوات. وفي خطوة منفصلة، تجري “أوراكل” محادثات مع “ميتا بلاتفورمز” لتوفير حوسبة سحابية بقيمة 20 مليار دولار. كما تبني “ميتا” مركز بيانات هائلاً في ولاية لويزيانا بطاقة تصل إلى 5 غيغاواط مدعوم بتمويل لا يقل عن 29 مليار دولار.
كما أبرمت “مايكروسوفت” هذا الشهر اتفاقية متعددة السنوات بقيمة 20 مليار دولار تقريباً للحصول على قدرة حوسبة سحابية من “نيبيوس غروب”، إلى جانب صفقة لاستئجار حوسبة ذكاء اصطناعي بقيمة 6.2 مليار دولار في النرويج. وقالت الشركة إنها ستنفق 30 مليار دولار خلال ربع سبتمبر وحده لتوسيع مراكز بياناتها.
“أوراكل” و”ميتا” تدرسان صفقة حوسبة ذكاء اصطناعي بـ20 مليار دولار
هل تلوح فقاعة في الأفق؟
وسط هذه الطفرة الاستثمارية، تتزايد المخاوف من نشوء فقاعة في سوق الذكاء الاصطناعي شبيهة بفقاعة الإنترنت مطلع الألفية. وأقرّ سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لـ”أوبن إيه آي”، الشهر الماضي بوجود ملامح “فقاعة”، لكنه اعتبر أن القيمة التحويلية للذكاء الاصطناعي ستبقى، وأن الخطر الحقيقي يتركز في الشركات الناشئة الصغيرة ذات التقييمات المبالغ فيها.
نقلاً عن: الشرق بلومبرج