دروس تنفعكم من مسيرة ليو ميسي

دروس تنفعكم من مسيرة ليو ميسي

يدنو ليونيل ميسي من المشهد الأخير في مسيرته. أقرّ أسطورة كرة القدم، البالغ من العمر 38 عاماً، باقتراب اعتزاله، مُعترفاً بأنه لا يستمتع باللعبة عندما لا يكون في كامل لياقته.

ودّع جماهير الأرجنتين هذا الشهر بالدموع في ليلة لم يُبدد فيها تألقه على أرض الملعب أجواء الحنين التي كانت تهيمن على الأجواء. حتى أنه شكّك في مشاركته في كأس العالم العام المقبل، إذ قال بعد ما يُرجّح أنها آخر مباراة تنافسية له على الأراضي الأرجنتينية بعدما أمضى أكثر من 20 عاماً مدافعاً عن قميص المنتخب: “بسبب كبر السن، منطقي ألا أشارك”.

مع ذلك، لا داعي للقلق الآن: فما رأيناه هو ميسي يُدير التوقعات. لم يتبق سوى تسعة أشهر على أن يُصبح أول لاعب يشارك في ست بطولات لكأس العالم. تمر الأشهر التسعة بسرعة، ولكن بالنسبة للاعب في سنّه، تشكل المخاطر البدنية مصدر قلق كبير، فقد تراكمت الإصابات، ومؤكد أن جدول مباريات فريقه ”إنتر ميامي“ المزدحم هذا العام سيؤثر على استعداداته.

تأثير ميسي يرفع تذاكر كوبا أميركا في ميامي فوق 8000 دولار

إنه محق في حذره، إذ بينما تشير كل الدلائل إلى مشاركته في بطولة الولايات المتحدة والمكسيك وكندا – لا سيما وأن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) سيجني ملايين الدولارات من مشاركته – فإن النهاية آتية. عاجلاً أم آجلاً، سيصبح ليونيل ميسي الخارق جزءاً من تاريخ كرة القدم.

هذا هو الواقع – ميسي يُهيئ جماهيره، وربما نفسه، للمصير المحتوم – جعلني أفكر أن عدداً من أهم دروسه لم تأت فقط من مشاهدة عبقريته مع الكرة منذ ظهوره الأول مع نادي برشلونة عام 2004، بل أيضاً من ملاحظة أدائه خارج الملعب. إليكم أربعة دروس جديرة بأن تتأمل فيها أي مدرسة إدارة:


  • القيادة عبر الثقة بالنفس

لسنوات، قال النقاد إن ميسي ليس قائداً بالفطرة؛ فهو هادئ ومتحفظ جداً، ولم يكن يتناسب مع الصورة النمطية لقائد أميركي جنوبي متألق. لكن القيادة ليس لها شكل واحد.

عوّض ميسي عن هدوئه بقدرته على الحسم في الملعب، مُقدّماً قدوة حسنة. كانت ثقته بموهبته وحكمته في اتخاذ القرارات الصائبة مُعدية، وكانت سبباً رئيسياً في اتباع زملائه له. القيادة لا تحتاج إلى استعراض، بل إلى القدرة على إلهام الآخرين.

تذاكر أول مباراة لميسي خارج ملعبه تنفد في 10 دقائق

تجلى هذا جلياً عندما مُنيت الأرجنتين بإحدى أكبر الصدمات في تاريخ كأس العالم، بخسارتها مباراتها الافتتاحية في عام 2022 أمام السعودية. قال ميسي للجماهير الأرجنتينية المُنهكة: “لم نتوقع أن نبدأ بهذه الطريقة، لكن ثقوا بأن هذه المجموعة لن تُخيب آمالكم”. قليلون هم من صدقوه. بعد شهر، تُوّج الأرجنتين بطلاً للعالم. أتريدون أن تروا هالةً قيادة أوضح من هذه؟


  • تسلسل عملي وصولاً للنتائج

 قليلون يتذكرون ذلك الآن، لكن في عام 2016، أعلن ميسي اعتزاله اللعب الدولي بعد خسارته لثالث نهائي مع الأرجنتين خلال ثلاث سنوات، قال حينها متفاعلاً مع هزيمة لا تُحتمل: “هذا كل شيء، انتهى الأمر بالنسبة لي”.

لم يدم تنحيه سوى شهرين، ولدى عودة ميسي المجدد بمواصلة المحاولة. مرت خمس سنوات أخرى قبل أن يرفع أخيراً أول لقب كبير له مع الأرجنتين في عام 2021. وتلتها ثلاثة ألقاب أخرى.

ما هو الدرس المستقى؟ في مسيرتكم ستواجهكم أخطاء على الدوام. ركّزوا على ما يمكنكم التحكم به وتقدّموا خطوة بعد أخرى، وإذا فعلتم ذلك بشغف وتفانٍ، ستحققون النتائج. وحتى إن لم يحدث ذلك، ستظلون تشعرون بالرضا لعلمكم أنكم بذلتم قصارى جهدكم طوال الطريق.


  • كونوا متواضعين

 قال ميسي العام الماضي في مقابلة إنه لا يكترث بعدد الأهداف التي يسجلها أو يصنعها. وهذا يتماشى مع ازدرائه التاريخي للجوائز الفردية. إن تواضعه وتذكره أن نتيجة الفريق دائماً أهم من أي فرد، يُعطي درساً ينطبق على أي مسيرة مهنية.

لا ينبغي الخلط بين هذا ونقص الطموح. في الرياضة – كما في الحياة – الخسارة تفوق الفوز. المسيرات المهنية طويلة؛ ومعرفة كيفية التحلي باللباقة في الفوز ستساعدكم على مواجهة الهزائم الحتمية.


  • العائلة أولاً

 ربما كان قرار ميسي الأكثر إثارة للجدل في مسيرته المهنية هو التخلي عن العودة إلى برشلونة عام 2023 والتوقيع مع فريق ”إنتر ميامي“ الصاعد في الدوري الأميركي لكرة القدم. قال كثيرون إن هذه الخطوة حوّلته فعلياً إلى متقاعد. لكن بالنسبة لميسي، كان الأهم “استعادة السعادة، والاستمتاع بعائلتي وأطفالي وحياتي اليومية“.

يجب أن تكون أولوياتكم راسخة تماماً، وأن تضعوا سعادتكم فوق طموحكم المهني – ولا تنسوا أبداً أن تفعلوا ذلك.

مزاد على مجموعة قمصان لميسي قد يحطم أرقاماً قياسية

قد يجادل البعض بأن مليونيراً بإمكانه جني مزيد من المال بفضل عقود ضخمة في الولايات المتحدة لم يقدم تضحيةً كبيرةً بذلك. هذا صحيح جزئياً. ومع ذلك، فإن تاريخ الرياضة حافل بالعظماء – من مايكل جوردان إلى تايجر وودز – الذين اتخذوا قرارات سيئة.

إن رفض عرض بقيمة مليار دولار للعب في السعودية، كما نقلت تقارير إعلامية، لمجرد اهتمامكم بنمط حياة عائلتكم، ليس أمراً سهلاً على أي شخص.

قبل كل شيء، يتعلق الأمر بالامتنان: “كل ما مررنا به كان جميلاً”، هكذا عبّر ميسي وهو يستذكر مسيرته رغم العثرات الكثيرة التي واجهها. وهذا استخلاص يفيدنا جميعاً.

نقلاً عن: الشرق بلومبرج

أحمد ناجي محرر الأخبار العاجلة بموقع خليج فايف