هكذا تتفوق الصين على الغرب في أفريقيا

هكذا تتفوق الصين على الغرب في أفريقيا

عندما تتراجع الولايات المتحدة تتدخل الصين، حيث تحرز بكين تقدماً ملحوظاً في أفريقيا باستخدام مزيج من الاستثمار والقوة الناعمة في منطقة تُعدّ الآن لاعباً حيوياً في التنافس العالمي على الموارد.

تُؤتي هذه الاستراتيجية ثمارها، إذ يبدي الرأي العام في أجزاء من أفريقيا تأييداً أكبر تجاه الصين مقارنةً بعديد من المناطق الأخرى، وفقاً لاستطلاع أعدته ”جمعية آسيا“ ونشرته هذا الشهر. يتناقض هذا الحماس بشدة مع مكانة بكين في الغرب وبعض أنحاء آسيا، حيث تدهورت الآراء حيالها بشكل كبير.

إن هذا التقدم مُتعمد، فما تمثله أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من سكان العالم سيتضاعف هذا القرن، كما جاء في توقعات البنك الدولي. ويحتمل أن يُعزز ذلك النمو الدولي، على الرغم من انخفاض مستويات القوة الشرائية. تُعدّ أفريقيا موطناً لنحو ثلث احتياطيات المعادن في العالم، وكثير منها محوري لصناعة الطاقة النظيفة.

الصين تعرب عن رغبتها في تعزيز العلاقات الاقتصادية مع أفريقيا

تُساعد شعبية بكين على تسجيل نقاط ضد واشنطن. وفي السباق على هذه العناصر الأساسية، تتقدم بكين إلى الأمام. إن ما نُشر في وقت سابق من هذا الشهر عن حصول المغرب على تمويل قدره 5.6 مليار دولار لاستضافة أول مصنع ضخم للبطاريات في القارة، يُعدّ أحدث مؤشر على كيفية تحويل الاستثمار الصيني للمنطقة إلى مورد رئيسي لبطاريات السيارات الكهربائية وتخزين الطاقة المتجددة.

كما تمثل الشركات الصينية حالياً 8% من إجمالي إنتاج التعدين في أفريقيا. ورغم أن هذا أقل بكثير من الشركات الغربية العملاقة، لكن هذا التوجه آخذ في التغير. امتدت الصفقات الأخيرة في جميع أنحاء المنطقة، إذ عمدت الشركات إلى استحواذات كبيرة على النحاس في زامبيا، والكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والليثيوم في زيمبابوي.

هدف الصين ليس الموارد فحسب

لكن الأمر يتجاوز التركيز على الموارد. إنه يتعلق بتنشئة جيل جديد من القادة الذين تشكلهم الرؤية السياسية لبكين. تساعد التبادلات الثقافية والمنح الدراسية ومدارس التدريب الأيديولوجي الصين على تحقيق ذلك. أصبحت القارة ساحة اختبار لمبادرة الأمن العالمي للرئيس شي جين بينغ، التي تهدف إلى إعادة تشكيل هياكل الحوكمة الدولية لخلق بيئة أكثر ملاءمة لأهداف سياسته الخارجية.

إنه نهج فعال. تجاوزت الآراء الإيجابية تجاه الصين بين المواطنين في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى الآراء السلبية بكثير، بنسبة 3 إلى 1 تقريباً، كما بيّنت جمعية آسيا.

ولا يقتصر الأمر على النخبة فحسب، إذ تُظهر الدراسة أن بكين تحظى بشعبية حقيقية لدى عامة الناس. في المقابل، أصبحت معدلات الموافقة المتوسطة في أميركا الشمالية وأوروبا وأميركا اللاتينية وجنوب آسيا وأوقيانوسيا أكثر سلبية بكثير. وتزداد الصورة سوءاً بين دول شمال شرق آسيا، في حين أن الإيجابية التي كانت قوية في جنوب شرق آسيا قد تراجعت.

استثمارات الصين في دول “الحزام والطريق” تبلغ ذروتها منذ 2018

لهذه العلاقة جذور تاريخية. فقد دعمت الصين عدة حركات تحرير أفريقية خلال الحرب الباردة، وكان الهدف من ذلك جزئياً هو السعي لتقليص نفوذ الغرب. وفي عام 1971، كانت الأصوات الأفريقية في الأمم المتحدة هي التي ساعدت بكين على تعطيل مسعى تايوان، وفي حصول الصين على مقعدها في مجلس الأمن.

شعار أميركا أولاً يقصي أفريقيا

في المقابل، وتحت شعار “أميركا أولاً” الذي يتبناه الرئيس دونالد ترمب، ركزت واشنطن اهتمامها بعيداً عن أفريقيا. إن هذا يقوض دور الولايات المتحدة في السباق العالمي نحو التفوق التقني والاستراتيجي.

هناك مخاوف مشروعة بشأن أهداف الصين في أفريقيا، لا سيما فيما يتعلق بما ستطلبه بكين مقابل سخائها. وقد اشتكت الولايات المتحدة من أن هذه الاستراتيجيات ستُنشئ شبكة من الدول التابعة، مُجبرة على سداد ديونها من خلال منح الصين إمكانية الوصول إلى الموارد وفرص التجارة ومواقع القواعد العسكرية. لدى بكين بالفعل منشأة بحرية واحدة في جيبوتي بمنطقة القرن الأفريقي، وهناك تكهنات بأنها تريد منشأة أخرى في المنطقة.

شي وبوتين: مبادرة الحزام والطريق بديل لنظام عالمي تقوده أميركا

لكن بالنسبة لكثير من القادة الأفارقة، فإن عرض الصين للبنية التحتية والتمويل وفرص العمل أكثر واقعية من الوعود الغربية، التي غالباً ما تقترن بمحاضرات غير مرغوبة حول حقوق الإنسان. في قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي التي عُقدت العام الماضي في بكين، عرض شي على أفريقيا 50 مليار دولار ووعد بتوفير مليون وظيفة. بالنسبة لقارة تواجه احتياجات تنموية هائلة، يصعب رفض هذا العرض.

للحفاظ على أهميتها للأجيال القادمة، تحتاج واشنطن إلى إعادة التواصل بصدق مع القارة. عادةً ما يُعطي وزراء الخارجية الصينيون أفريقيا الأولوية في أولى رحلاتهم الخارجية سنوياً. هذا المستوى من الالتزام من جانب الولايات المتحدة غائب، ليس فقط من إدارة ترمب، بل من الحكومات السابقة أيضاً. إن تمديد برنامج التجارة المعفاة من الرسوم الجمركية للمصنعين الأفارقة، الذي ينتهي في نهاية هذا الشهر، سيكون بمثابة عمل فوري من أعمال حسن النية.

من جانبها، ينبغي على الدول الأفريقية تجنب الاعتماد المفرط على شريك واحد. هناك بالفعل بعض الشكوك حول سخاء بكين، وهي تأتي أحياناً من الأفارقة أنفسهم. في عام 2023، حدد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ما لا يقل عن 13 دولة أفريقية معرضة لخطر كبير من ضائقة الديون.

تجارة أفريقيا مع الصين وأوروبا مرشحة للنمو بسبب الرسوم الأميركية

كانت سبع دول بالفعل في ورطة، حيث إن الصين تقرضها ما متوسطه 12% إلى 20% من ديونها الخارجية. إن موازنة الاستثمارات الصينية مع الاستثمارات الأخرى قد يُقلل من التعرض للضغط الاقتصادي والنفوذ السياسي. كما أن السعي وراء صفقات تُعظم نقل التقنية وتُوفر فرص عمل محلية وتدريباً للكوادر المحلية، من شأنه أن يُعزز النمو طويل الأجل مُقارنةً باستخراج الموارد الثمينة على المدى القصير.

ومع الطلب المتزايد على المعادن النادرة والمعادن الأساسية، تتمتع القارة بموقف تفاوضي أقوى من أي وقت مضى، ولا ينبغي تضييع هذه الفرصة.

نقلاً عن: الشرق بلومبرج

أحمد ناجي محرر الأخبار العاجلة بموقع خليج فايف