السيادي القطري يكثف الاستثمار بشركات التكنولوجيا الأميركية

يُكثّف جهاز قطر للاستثمار، الذي تبلغ قيمته 524 مليار دولار، استثماراته في الولايات المتحدة بالتزامات بارزة في مجال الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية، مما يُؤكد سعي الدوحة للحفاظ على أولوياتها الاقتصادية منفصلة عن التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
خلال الشهر الجاري، أعلن صندوق الثروة السيادية عن مشروع مشترك في مجال مراكز البيانات مع شركة “بلو آول كابيتال” (Blue Owl Capital)، مُلتزماً باستثمار حوالي مليار دولار في أسهم جديدة. جاء ذلك بعد انضمامه إلى جولة تمويلية لشركة “أنثروبيك” (Anthropic) بقيمة 13 مليار دولار، ومشاركته في جولة تمويلية لشركة “إكس إيه آي” بقيمة 10 مليارات دولار، مما رفع قيمته إلى 200 مليار دولار.
تُشير هذه الصفقات مجتمعةً إلى أن جهاز قطر للاستثمار يَفي سريعاً بتعهده -الذي قطعه خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للمنطقة في مايو- بتوجيه 500 مليار دولار إضافية إلى أميركا خلال العقد المُقبل.
الولايات المتحدة سوق ذات أولوية قصوى
قال الرئيس التنفيذي لجهاز قطر للاستثمار، محمد السويدي، في تصريح لـ”بلومبرغ نيوز”: “تُعدّ الولايات المتحدة سوقاً ذات أولوية قصوى لجهاز قطر للاستثمار، وقد التزمنا هذا العام بتوسيع استثماراتنا الأميركية بشكل كبير في القطاعات الاستراتيجية”.
وأضاف السويدي: “ندعم حوالي 300 ألف وظيفة في الولايات المتحدة من خلال استثماراتنا، ونتوقع أن يزداد هذا العدد بشكل كبير مع نمو محفظتنا الاستثمارية”.
ستكون التكنولوجيا عنصراً أساسياً في النفقات الجديدة، وفقاً لشخص مطلع على توجه الصندوق. وأضاف الشخص، الذي رفض الكشف عن هويته لمناقشته معلومات سرية، أن الولايات المتحدة وجهة جذابة للاستثمارات في الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الرقائق والتصنيع المتقدم.
امتنع ممثلو جهاز قطر للاستثمار عن التعليق.
كما تُعزز صفقات الصندوق الأخيرة التزام الدولة الخليجية تُجاه الولايات المتحدة، بعد أن أثارت الهجمات الإسرائيلية على عاصمتها الدوحة قلق قادة دول الخليج الغنية بالنفط. وبينما سارعت قطر إلى إدانة الهجوم، تُشير تعليقات السويدي إلى أن الدوحة ستفصل قراراتها الاستثمارية عن التقلبات الجيوسياسية.
صرحت كارين يونغ، الباحثة البارزة في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا: “قرار تخصيص استثمارات في الذكاء الاصطناعي مع شركاء في الولايات المتحدة وبناء مراكز بيانات عالمياً يُمثل نهجاً تجارياً مناسباً لجهاز قطر للاستثمار، بغض النظر عن أي توترات في العلاقات الثنائية”.
وأضافت: “حرصت الحكومة القطرية على التأكيد على أن شكواها موجهة إلى القيادة الإسرائيلية لقرارها مهاجمة السيادة القطرية، وليس إلى الولايات المتحدة”.
استثمارات تشمل الغاز الطبيعي المسال
ظهرت أدلة على تنامي العلاقات في مجال التمويل في أماكن أخرى.
فقد عيّنت شركة “إيرث كابيتال مانجمنت”، المتخصصة في إدارة الاستثمارات البديلة العالمية، هذا الشهر تيمي ديفيس، الذي كان سابقاً سفيراً لواشنطن في الدوحة. شارك في تأسيس شركة “إيرث” الشيخ محمد بن عبد الله آل ثاني، المدير السابق للأميركيتين وتطوير الأعمال في جهاز قطر للاستثمار.
من جانبه، سيدعم توجه الصندوق السيادي نحو الولايات المتحدة عاملان. من المتوقع أن تُضيف خطط قطر لتوسيع إنتاج الغاز الطبيعي المسال أكثر من 30 مليار دولار سنوياً إلى إيرادات الدولة، وسيُضخ جزء منها في صندوق الثروة.
سيمنحه ذلك ثقلاً أكبر، ومع سعيه إلى توظيف هذه الأموال، ستكون علاقات السويدي بالولايات المتحدة عاملًا أساسياً.
أمضى المدير التنفيذي معظم سنواته الأولى في الصندوق في الأميركتين، حيث ساعد في تأسيس مكتب في الولايات المتحدة، وتدرج في المناصب حتى أصبح رئيساً للاستثمار في المنطقة. شغل سابقاً منصب رئيس صناديق الأسهم الخاصة ورئيس المكتب الاستشاري لجهاز قطر للاستثمار في نيويورك.
25 صفقة تكنولوجيا لجهاز قطر في عامين
في قطاع التكنولوجيا، يُوسّع الصندوق فريق عمله في الولايات المتحدة، وفقاً لما ذكره مصدر مطلع على الأمر. ويتوقع الصندوق إتمام ما يصل إلى 25 صفقة تكنولوجية هذا العام والعام المقبل، وفقاً لما صرّح به مسؤول تنفيذي كبير لـ”بلومبرغ نيوز” سابقاً.
وقد استثمر الصندوق بالفعل في شركات تكنولوجية، بما في ذلك شركة “داتابريكس”، التي قُدّرت قيمتها مؤخراً بأكثر من 100 مليار دولار؛ وشركة “أبلايد إنتويشن”، وهي شركة مقرها كاليفورنيا متخصصة في المركبات ذاتية القيادة والطائرات بدون طيار؛ ومشاريع إيلون ماسك مثل “سبيس إكس” و”نيورالينك”.
وإلى جانب التكنولوجيا ومراكز البيانات، يستهدف جهاز قطر للاستثمار قطاع الرعاية الصحية، حيث تتركز معظم استثماراته العالمية في الولايات المتحدة، إلى جانب الصناعات وسلاسل التوريد والبنية التحتية والعقارات.
صفقة “إيفانهو ماينز” لتعدين النحاس
لم يُبطئ تركيزه على الولايات المتحدة من إبرام الصفقات العالمية. فقد اشترى الصندوق القطري مؤخراً حصة بقيمة 500 مليون دولار في شركة “إيفانهو ماينز” الكندية لتعدين النحاس، وشارك في قيادة تحالف يسعى إلى تحويل شركة مُصنّعة للأجهزة الطبية مُدرجة في بورصة هونغ كونغ إلى شركة خاصة في صفقة بقيمة 1.4 مليار دولار.
اقرأ التفاصيل: جهاز قطر للاستثمار يستحوذ على حصة في “إيفانهو” الكندية للنحاس
في مايو، صرّح مسؤول تنفيذي رفيع المستوى بأن جهاز قطر للاستثمار سيواصل نشاطه في الصين، حتى مع تزايد حذر المستثمرين بسبب التوترات الجيوسياسية.
وقال حسن الحسن، الباحث الرئيسي في سياسات الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره البحرين: “على غرار جارتيها الإمارات والسعودية، تُولي قطر أهميةً كبيرة للوصول إلى التكنولوجيا الأميركية المتقدمة، ولا سيما الذكاء الاصطناعي”.
وأضاف: “أعتقد أن القطريين يتبنون نهجاً براغماتياً، إذ يعزلون استثماراتهم في قطاع التكنولوجيا الأميركي عن تقلبات الأوضاع الأمنية في المنطقة”.
نقلاً عن: الشرق بلومبرج