خبز البتاو.. سر المائدة الصعيدية وخزين الشتاء الدافئ
وسط الطين والأفران البلدية، وبين رائحة الحلبة ورماد المواقد، تتجدد في كل عام طقوس ريفية ضاربة في جذور المجتمع الصعيدي، عادات موسمية تنبع من عمق الهوية المحلية، حيث يبدأ أهالي الريف في صعيد مصر استعداداتهم الشتوية قبل حلول البرد بأسابيع، على رأسها صناعة خبز البتاو، أحد أبرز رموز المائدة الريفية وخزين الشتاء الأساسي في تلك المناطق.
خزين الشتاء
يعد خبز البتاو بالنسبة لأهالي الصعيد، لا سيما محافظات الشمال، أكثر من مجرد خبز يُستهلك على مدار العام، بل هو مشروع منزلي متكامل يتم التحضير له على مراحل، تبدأ بطحن الذرة البيضاء بعد تحميصها، وخلطها بكميات محسوبة من الحلبة المحمصة والمطحونة، وأحيانًا يُضاف القليل من دقيق القمح، ثم يُعجن الخليط بالماء والخمير، ويُترك في مواجير فخارية ليتخمر قبل الخَبز.
ما أجمل الصباح على رائحة #خبز #بتاو مع #جبنة #قديمة و #عسل 🤍
#الصعيد24
#الصعيد #الصعيدي #المنيا #اسيوط #سوهاج #قنا #بني_سويف الصعيد24Posted by الصعيد24 on Monday, September 29, 2025
في هذا الصدد، تتحول البيوت الريفية في الصعيد المصري إلى ورش عمل تشاركية، حيث تتوزع المهام بدقة بين أفراد الأسرة من النساء، وكذلك الجيران، في مشهد يومي مألوف ومتجذر منذ عقود، لا سيما مع اقتراب فصل الشتاء.
الفرن البلدي
تتم عملية خبز البتاو في أفران تقليدية تُبنى من الطين الخالص، وتُدار بوقود حيوي يُستخلص من روث الأبقار والجاموس، يعرف محليًا بـ”الجِلّة”، وبرغم بساطة مكونات الوقود والمنشأ، إلا أن تكاليفها باتت عبئًا على غير الفلاحين في المدن الصعيدية، في ظل ارتفاع أسعار المواد الأولية وتراجع الزراعة المنزلية.
داخل الفرن، تسكن رقعة دائرية مصنوعة من الطين الزبدي، تُرصّ عليها الأرغفة وتُدار بخبرة تُورّث ولا تُكتسب بسهولة، في مراحل خبز تشمل ما يُسمى بـ “التنطيط” و”التوسيع”، قبل أن تُرمى الأرغفة في جوف النار باستخدام “المطرحة”، وهي أداة خشبية تقليدية.
رحلة خبز عتيق على مائدة الصعايدة
بعد الانتهاء من عملية الخبز، تُرص الأرغفة فوق بعضها لتبقى طرية أو تُجفف لتُخزن لأشهر، وعند الحاجة، تُبلّ بالماء لتعود لملمسها الأصلي، كما يُعد خبز “البتاو” رفيقًا ثابتًا على مائدة الصعايدة، ويرتبط بأغلب الأكلات الريفية مثل الملوخية والطبيخ، كما يحضر إلى جانب الجبن القديم والعسل الأسود والسمن الفلاحي في وجبات الفطور والعشاء.
رمز الهوية الريفية الصعيدية
وتؤكد إفادات بعض سكان الريف في تصريحات خاصة لـ”إرم نيوز”، أن البتاو لا يمثل مجرد خبز، بل هو رمز للهوية الريفية الصعيدية، إذ لا يُكلف الفلاح الكثير بفضل توفر المواد الأولية من الزراعة وتربية الماشية، لكن الأمر يختلف كليًا في المدن، حيث قد تبلغ تكلفة خَبز “ربع” البتاو “أي 30 كجم من الطحين” نحو 1000 جنيه مصري، بما يعادل أكثر من 20 دولارًا.
تغييرات تهدد الاستمرارية
وبرغم استمرار العادة، إلا أن تغيرات اقتصادية واجتماعية بدأت تلقي بظلالها على ثقافة خبز البتاو، فغلاء أسعار المواد، وتراجع عدد النساء القادرات على إدارة هذه العملية، جعلا المهمة أكثر صعوبة، ثم إن الصنعة باتت مقتصرة على من ورثها، مع انقراض المهارة في بعض البيوت.
ومع ذلك، تؤكد شهادات الأهالي أن البتاو لم يندثر، بل لا يزال حاضرًا في أغلب البيوت الريفية، ومتداولًا بين الأجيال المختلفة، لما يتمتع به من بساطة في التناول وقدرته على مرافقة كل أنواع الطعام، سواء في الحقول أو البيوت.
نقلاً عن: إرم نيوز
