مؤسسات التعليم العالي.. إشكاليات وتحديات (2-2)

مؤسسات التعليم العالي.. إشكاليات وتحديات (2-2)

 

 

د. سعيد بن سليمان العيسائي **

 

تفتخر أية جامعة من الجامعات العالمية بوجود عالم فذ أو مفكر معروف له من الإنجازات العالمية ما يشار إليه بالبنان من بين أساتذتها أو أعضاء هيئاتها الأكاديمية.

تقوم بعض الكليات والجامعات في السلطنة وبعض دول الخليج بتوقيع اتفاقيات ارتباط أكاديمي مع بعض الجامعات الغربية والأوروبية ذوات الخبرة في مجالاتها وتخصصاتها، وبخاصة الجامعات العريقة ولكن هنالك أسئلة جوهرية تطرح في هذه السياق وهي:

أولها هل المعايير المطبقة في الجامعة الأم ذات المعايير أو نفسها التي تطبق في الجامعات والكليات العربية أو الخليجية؟

وهنالك دراسات تؤكد ازدواجية معايير الجامعات الغربية وفروعها في دول الخليج.

والسؤال الجوهري الثاني هو هل الطالب خريج الجامعة الفرع أو الكلية الفرع التي وقعت اتفاق ارتباط مع الجامعة الأم هل هو خريج الجامعة الأم بكل ثقلها وخبراتها واسمها ذائع الصيت أم هو خريج الجامعة أو الكلية التي تشق طريقها بصعوبة في الحقل الأكاديمي؟

وهل ما قدم من مقررات ومناهج وأساليب بحث واطلاع على أحدث التجارب العالمية هو ما قدم لطالب الجامعة أو الكلية الخليجية أو العربية؟

أنا لا أعتقد ذلك وأرى أن هناك بونًا شاسعًا بين طالب الجامعة الأم والجامعة الفرع.

وهذا يدعونا إلى الإشارة إلى أن بعض الجامعات الأوروبية تصنف طلابها تحت تصنيف الـ”Overseas” أي ما وراء البحار بمعنى أنهم في الدرجة الثانية وأبناء تلك الدولة الغربية أو الأجنبية هم طلاب الدرجة الأولى.

من الجيِّد هنا الإشارة إلى الملتقى الدولي حول “مستقبل مؤسسات التعليم العالي الذي عقد في مسقط أوائل شهر مايو من هذا العام.

شارك في هذا الملتقى عددٌ من رؤساء الجامعات وعمداء الكليات ونخبة من خبراء التعليم العالي والباحثين المختصين في مجال القيادة والإدارة والاستثمار من مختلف أنحاء العالم.

نقل الضيوف الحاضرون خلال المؤتمر بعض التجارب الناجحة في عدد من الدول والجامعات.

وطرح بعضهم عددًا من المقترحات منها أن تصب الدولة الكثير من مواردها في جامعة حكومية واحدة كي تتمكن من المنافسة في التصنيف العالمي للجامعات يحدثني استاذنا الشيخ / سالم بن ناصر المسكري الأمين العام السابق للشؤون الأكاديمية لجامعة السلطان قابوس بأن التوجه لدى السلطان الراحل رحمة الله عليه هو أن تكون جامعة السلطان قابوس هي الأولى في السلطنة.

وقد وفرت لها الدولة بفضل توجيهاته كل الدعم والإمكانات لتكون في مصاف الجامعات العالمية ولكن الزيادة الطلابية المطردة من مخرجات الثانوية العامة في كلياتها قد تكون حالت دون تحقيق هذا الهدف.

ومن المقترحات الأخرى التي قدمت هي أن تتعاون بعض مؤسسات التعليم العالي الخاصة في الاشتراك في بعض المرافق كالملاعب والمكتبات مثلًا.

بمعنى أن يكون الملعب مشتركًا بين مؤسسيتين تعليميتين أو أكثر وكذلك المكتبة وبقية المختبرات والمعامل وهذا اقتراح جيد لا بأس به ولا مانع من أن يعرض للبحث والدراسة.

من قضايا التعليم العالي التي لمسناها وعايشناها منذ سنوات طويلة قضية تحويل الطلبة من تخصص إلى آخر أو من كلية إلى أخرى.

وقد عايشت هذا الموضوع عندما ابتعثت للدراسة بجامعة الملك عبد العزيز بجدة فقد رأيت العديد من زملائي الطلبة يحولون أو ينتقلون من كلية إلى أخرى ومن تخصص إلى آخر حتى لو كان هذا بعد عدة سنوات من الدراسة في الكلية الأولى.

وشاركت في دراسة موسعة ضمن فريق من خبراء دائرة البحوث التربوية في بدايات تعييني بوزارة التربية والتعليم حول كثرة أو ازدياد طلبات التحويل من كلية إلى أخرى بجامعة السلطان قابوس.

وللتحويل أو الانتقال أسباب ليست مدار بحثنا في هذا المقال ولكن أهمها عدم الحب والرغبة في التخصص وإنما جاء وفق ما تمليه توزيعات النسب والمجاميع.

وقد سمعت أنَّ العديد من زملائي المبتعثين إلى دول العالم يحولون من بلد إلى آخر عدة مرات وحصل هذا الأمر أيام الطفرة النفطية التي مرت بها دول الخليج.

واستمعت إلى مقابلة أو لقاء صحفي منذ سنوات طويلة مع الدكتور عمر الزواوي مستشار جلالة السلطان الراحل للاتصالات الخارجية يقول فيه إنه لم يكن يرغب في دراسة الطب، ولكن والده كان يرغب في أن يدرس ابنه الطب، لأن دراسة الطب في تلك الأيام كانت رغبة ومطلبًا للكثير من أولياء الأمور من الطبقة المُتعلمة أو ذات اليسار.

وتخرج الدكتور عمر في كلية الطب ولكنه اتجه إلى المال والاقتصاد إرضاءً لرغبته السابقة وأبدع في المجال الذي يحبه.

وما أود أن أقوله بأنَّ النسب والمجاميع المرتفعة في الثانوية العامة ليست دائمًا دليلًا على التفوق والذكاء والنبوغ؛ لأن هناك عوامل أدت إلى ارتفاعها من ضمنها الدروس الخصوصية وما أدراك ما الدروس الخصوصية؟

ومن التحديات التي تواجه مؤسسة التعليم العالي التمويل أو الدعم المالي وسمعت أن السلطان الراحل- رحمة الله عليه- تبرع للجامعات الخاصة بـ17 مليون ريال عماني للمباني والمنشآت الجامعية وسمعت أن بعض الجامعات لم تكتمل فيها المباني والإنشاءات وبعضها الآخر لم يستطع دفع رواتب موظفيه. وسمعت أيضًا أن بعض الطلبة في كلية مُعينة تخرجوا والتحقوا بالوظائف ولم يسددوا الأقساط الدراسية إلى يومنا هذا. وما زالت هذه الكلية تطالبهم بتسديد ما عليهم من رسوم. وهناك مؤسسات تعليم عالٍ في العالم تغلب الجانب الربحي على جودة التعليم.

ونما إلى علمي أن بعض أولياء الأمور لا يستطيعون سداد الرسوم الدراسية، والبعض الآخر من الطلاب في هذه المؤسسات اضطر إلى الانسحاب أو ترك المؤسسة بسبب التعثر في الدراسة.

مرت كليات التربية التابعة لوزارة التعليم العالي بظرف حرج قبل عدة سنوات عندما جاءت توجيهات السلطان الراحل بتحويلها إلى كليات للعلوم التطبيقية. وتطلب هذا الأمر أن يضطر بعض الأساتذة إلى تغيير تخصصاتهم للتوافق مع التخصصات الجديدة. وهنالك أسباب أدت إلى تحويل هذه الكليات إلى كليات تطبيقية لا يتسع المجال لذكرها في هذا المقال.

ومن التحديات الأخرى التي تواجهها الدولة ومؤسسات التعليم العالي بصفة عامة خاصة الازدياد المطرد لخريجي الثانوية العامة أو الدبلوم كما يطلق عليه اليوم، وزيادة مخرجات هذه المؤسسات أكثر بكثير مما يتطلبه سوق العمل.

وقد عقدت لهذين الموضوعين ندوات ومؤتمرات شاركت في بعضها. وأضف إلى التحديات التي تواجه المؤسسات الأكاديمية هي تمويل ودعم البحوث العلمية، وقد ظهرت فتوى تجيز الصرف أو الإنفاق على البحث العلمي من الزكاة.

وقد تناقشنا حول هذا الموضوع مع صديقنا معالي الأستاذ الدكتور السيد عبدالخالق رئيس جامعة المنصورة الأسبق ووزير التعليم العالي المصري الأسبق الذي تعرفت عليه في مؤتمر عن مؤسسات التعليم في بيروت عندما كان معاليه حينها نائبًا لرئيس جامعة المنصورة.

وأذكر أنه سألني عن أوراق مؤتمر الزكاة الذي عقد في جامعة السلطان قابوس الذي أشارت فيه بعض أوراق العمل إلى جواز الصرف من الزكاة على البحث العلمي.

وما نود أن نختم به مقالنا هذا هو أن مؤسسات التعليم في العالم بصفة عامة وفي السلطنة بصفة خاصة تواجه الكثير من التحديات التي تستوجب البحث والدراسة والتعاون وتضافر الجهود للوصول إلى بعض الحلول والمقترحات لمواجهة هذه الصعوبات والتحديات.

** كاتب وأكاديمي

ملحوظة: مصدر الخبر الأصلي هو جريدة الرؤية العمانية