لماذا استشراف غيتس وماسك لمستقبل الشاحنات الكهربائية مغلوط؟

إن أردنا أن ننظر إلى الأمر من وجهة نظر بيل غيتس سنجد أن أنظمة الدفع الكهربائي التي غيّرت صناعة سيارات الركاب على مدى العقد الماضي ليس لها أي فرصة في تكرار تلك التجربة فيما يخص الشاحنات الثقيلة. أما إيلون ماسك، فيعتقد أن هذا التحول أمر لا مفر منه وستقوده شركة ”تسلا“. لكن كلاهما جافاه الصواب.
الشاحنات الكهربائية على وشك الهيمنة، لكن ”تسلا“ بالكاد دخلت المنافسة، إذ إنها لم تبع حتى الآن سوى حوالي 50 ألف وحدة من شاحنتها الشخصية العملاقة التي تشبه ذات التصميم المكعب ”سايبرترك“. وما تزال مقطورة الجر نموذجاً للعرض بعد مضي ثماني سنوات منذ الإعلان عنها لأول مرة.
السياسة تدفع شاحنات البيك أب الكهربائية من ازدهار إلى كساد
بدلاً من ذلك، تعود الصين إلى الصدارة، فيما تتخلف عن الركب بفارق كبير شركات ”فولفو“ و“دايملر ترك هولدينغ“ و“إيفيكو غروب“ الأوروبية، أما آمال أميركا في لعب دور في هذا المجال فتبدو ضعيفة بشكل متزايد.
كان حجم طفرة المبيعات في الصين خلال الاثني عشر شهراً الماضية مذهلاً. في سبتمبر 2020، عندما كان ماسك يتجادل مع غيتس عبر منصة ”تويتر“ بشأن شكوكه تجاه الشاحنات، لم يبع هناك سوى بضع عشرات من مقطورات تعمل بالبطارية. في عام 2024، بيعت 79142 شاحنة متوسطة وثقيلة، وفقاً لأرقام ”بلومبرغ إن إي إف“. كما بيعت 81508 شاحنة أخرى في النصف الأول من هذا العام وحده.
طفرة مستمرة
تضاعفت مبيعات الشاحنات الثقيلة الكهربائية في أغسطس ثلاث مرات تقريباً مقارنةً بالعام السابق، كما بينت شبكة ”فيرست كوميرشال فياكل“ (First Commercial Vehicle)، وهي خدمة محلية لمعلومات الشحن، فبلغت حصتها في فئتها نحو 26%. ووجد مركز أبحاث وتقنية السيارات الصيني أن حوالي 29% من الشاحنات متوسطة الحجم المباعة في الصين في أغسطس كانت من طرازات قابلة للشحن، بالإضافة إلى 22% من الشاحنات الخفيفة.
تتوقع شركة ”كونتيمبراري أمبيريكس تكنولوجي“ (Contemporary Amperex Technology)، أكبر مُصنّع للبطاريات، أن تُصبح نسبة اعتماد الشاحنات الثقيلة على الكهرباء 50% بحلول عام 2028، بينما تتوقع شركة ”ساني هيفي إندستري“ (Sany Heavy Industry) أن تصل هذه النسبة إلى 80%.
الشاحنات الكهربائية أحدث تهديد للطلب على النفط في الصين
تتجاوز تداعيات هذا الأمر حدود الصين. نظراً لطول المسافات التي تقطعها الشاحنات الثقيلة وحمولتها الضخمة، تُسبب الشاحنات الثقيلة تلوثاً بيئياً غير متناسباً، إذ تستهلك نصف وقود الطرق في الصين، على الرغم من أنها لا تُشكّل سوى 15% من المركبات. يُستهلك حوالي 3.6% من نفط العالم على شكل ديزل في الصين، ومعظمه في نفس الشاحنات التي تُصبح كهربائية بسرعة مذهلة.
سيبدأ هذا بضغط هبوطي سريع على الطلب على النفط الخام. تُقدّر مجموعة ”روديوم“ (Rhodium) الاستشارية أن السيارات والشاحنات الكهربائية في الصين وحدها ستُدمر حوالي 1.76 مليون برميل يومياً من الطلب العام المقبل، أي ما يعادل حوالي برميل واحد من كل خمسة وأربعين برميلاً من النفط الخام المنتج.
كانت التحديات المفترضة لتحويل الشاحنات الثقيلة المتعطشة للوقود إلى كهربائية، حاسمة في توقعات استمرار استهلاك البترول في السنوات المقبلة، حتى مع تراجع استخدام السيارات الكهربائية.
لقد استبعد تقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية عام 2017 حول مستقبل الشحن، شاحنات المسافات الطويلة التي تعمل بالكهرباء من تحليل أسعارها تماماً، نظراً لاعتبارها هذه التقنية غير معقولة لدرجة لا تستحق النمذجة. أما أرقام مبيعات هذا العام، فتراجعت عن هذه الافتراضات المتهاونة.
الأسباب الاقتصادية
ما الذي تغير؟ تُعدّ لوائح اقتصاد استهلاك الوقود الأكثر صرامة، والتي دخلت حيز التنفيذ في الصين في الأول من يوليو، جزءاً من التفسير. وكذلك، فإن إدراك أن معظم الشاحنات تُستخدم بشكل غير فعال، ما يسمح للأنواع الكهربائية بالاستحواذ على شرائح كبيرة من السوق التي لا تحمل أثقل الأحمال لمسافات طويلة. لكن العامل الأكبر هو ببساطة اقتصادي.
يُعتبر النقل بالشاحنات صناعة منخفضة هامش الربح، إذ تُمثل تكاليف التشغيل كل شيء. إذا كانت التقنية قادرة على توفير بعض اليوانات، فلن تكون متحمساً لاعتمادها. لهذا السبب، بدأت الطفرة القصيرة في قطاع الشاحنات التي تعمل بالغاز الطبيعي، التي بدت وكأنها تُهيمن على قطاع الخدمات اللوجستية في الصين العام الماضي، بالتلاشي.
“رينو” تستعد لصناعة شاحنات كهربائية في مصنعها شمال فرنسا
مع انخفاض أسعار البطاريات الآن إلى 90 دولاراً للكيلوواط/ساعة، وفقاً لأرقام ”بلومبرغ إن إي إف“، فإن القيمة المُقترحة للشاحنات الكهربائية أعلى بكثير.
ما يزال السعر المعلن لشبه المقطورة القابلة للشحن أعلى بكثير، لكن يُمكن للمشغلين تعويض الفرق بفضل انخفاض تكاليف الوقود والصيانة والتأمين. بمجرد أن تنخفض تكلفة الشاحنة الكهربائية طويلة المدى إلى حوالي 250 ألف دولار – وهو أمر تتوقع ”بلومبرغ إن إي إف“ حدوثه حوالي عام 2030 – سيصبح خيار الانبعاثات الصفرية أرخص حيث تدفع مقابل لتر من الديزل أكثر من حوالي أربعة كيلوواط/ساعة من الكهرباء.
تهيمن الصين على هذه الصناعة حالياً، ومن المرجح أن تُصبح منافساً قوياً في المستقبل مع تركيز شركتي ”ساني هيفي“ (Sany Heavy) و“إكس سي إم جي كونستركشن ماشينري“ (XCMG Construction Machinery) بشكل متزايد على أسواق التصدير.
الأوروبيون في المركز الثاني
ومع ذلك، فإن أوروبا ليست قليلةً. إنها تتفوق على أميركا من حيث حصة الشحنات المنقولة براً، ويمثل مصنعوها بالفعل أكثر من نصف مبيعات الشاحنات الثقيلة في الولايات المتحدة – ولعل هذا أحد الأسباب وراء إعلان الرئيس دونالد ترمب عن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات يوم الخميس.
باعت ”فولفو“ شاحنتها الكهربائية رقم 5000 في أبريل. وفي مايو، كشفت عن شبه مقطورة بمدى 600 كيلومتر، قادرة على حمل حمولة وزنها 48 طناً، وتشحن في الوقت الذي يستغرقه السائقون لأخذ فترات راحة إلزامية. يفترض أن تكون هذه الفترات قادرة على منافسة سوق الشحن التقليدي لمسافات طويلة.
يستطيع المتفائلون بارتفاع أسعار الوقود الأحفوري استشراف مستقبل مشرق، لكن في الواقع، ما يزال الطلب على النفط الخام يكافح للوصول إلى المستويات التي بلغها عام 2018. واحداً تلو الآخر، تتراجع دعائم النمو المستقبلي المفترضة وهي الأسواق الناشئة وشبكات الطاقة المتعطشة للطاقة وآلات البناء والشحن البحري والآن الشاحنات.
فقط وقود الطائرات والبتروكيماويات ما يزال يحافظ على زخمه، لذا الشتاء مقبل على منتجي النفط.
نقلاً عن: الشرق بلومبرج