ترشيد مودي المالي سيواجه اختباراً من رسوم ترمب الجمركية الثقيلة

في الأشهر المقبلة، سيبدأ ظهور تأثير الرسوم الجمركية الأميركية على الهند ولن يكون مُرضياً، إذ سيفقد أناس وظائفهم. تتركز القطاعات كثيفة العمالة، مثل الجلود والمنسوجات والمجوهرات، التي تُفرض عليها رسوم جمركية بنسبة 50%، في مناطق حساسة سياسياً، مثل ولاية أوتار براديش، وهي المنطقة الاقتصادية الرائدة، وولاية غوجارات، مسقط رأس رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
وهذه قطاعات ستسعى الحكومة لحمايتها. لكنها لن ترغب في إنفاق مبالغ طائلة لتحقيق ذلك. من السمات المميزة لإدارة مودي الاعتدال المالي. فهو يميل إلى تجنب الإنفاق بسخاء، حتى في حالات الطوارئ، مُستخدماً رأسماله السياسي الواسع للترويج لأي سخاء يقدّمه.
بلومبرغ إيكونوميكس: ما يزال الاتفاق التجاري مع الهند ممكناً برغم الصعوبة
يعتقد مصدّرو الهند أن هذا الأمر يتكرر. فاللجنة المشكّلة للنظر في ما يمكن فعله لمساعدتهم خيّبت آمال الشركات التي كانت تأمل في الحصول على دعم مالي: فهي مكتظة بمسؤولين من مستوى أدنى مما ترغب فيه، ومهمتها هي الحد من البيروقراطية وخفض التكاليف، وليس التخطيط لطفرة دعم.
هذا أمر مألوف منذ الجائحة. فيما لجأت عدة دول أخرى إلى استخدام مواردها المالية لحماية اقتصاداتها، اختارت نيودلهي بدلاً من ذلك استخدام ضمانات الائتمان والقروض. كان التأثير على المالية الاتحادية ممكناً، ونجا استقرار الاقتصاد الكلي للبلاد من تلك السنوات الصعبة. وقد نسب مودي الفضل في ذلك لنفسه، قائلاً إن الحصافة المالية للهند خلال جائحة كوفيد كانت مثالاً يُحتذى به عالمياً.
أمل بتغيير موقف واشنطن
مرجحٌ أن يكون هناك أمر مشابه على جدول الأعمال هذه المرة. قد تكون البرازيل- وهي الاقتصاد الكبير الوحيد الآخر الذي تأثر برسوم قدرها 50%، قد خصصت 5.5 مليار دولار لدعم المتضررين من الرسوم الأميركية. لكن المسؤولين الهنود لا يفكرون إلا في حزمة قدرها 255 مليون دولار، تهدف إلى زيادة فرص الحصول على الائتمان بشكل طفيف. وهذه مجرد أموال سبق أن وُعد بها المصدرون، وقد جُيّرت لعالم ما بعد الرسوم الجمركية.
قد لا يكون ترشيد مودي للنفقات السبب الوحيد لتردد الحكومة في الإنفاق. قد يأمل البعض أن تتحسن العلاقات مع الرئيس دونالد ترمب في الأشهر المقبلة وأن تُستأنف الصادرات.
ترمب: “لا داعي للقلق” بشأن العلاقات بين أميركا والهند
إذا كان الأمر كذلك، فكل ما على المُصدّرين فعله هو الاستمرار في العمل حتى يتمكن الساسة من إيجاد حل، وسيساعدهم القليل من الائتمان الإضافي على تحقيق ذلك. ولكن إذا كان هذا هو ما يكمن وراء تفكير الحكومة، فإنها تخاطر بشدة. قد يظل ترمب متصلباً لفترة أطول من التي تستطيع تحملها الشركات الصغيرة مع الحفاظ على ملاءتها المالية.
لكن يمكن للحكومة أن تجادل بأن الحذر مُبرّر تماماً. منذ تقديم الميزانية في وقت سابق من هذا العام، ازدادت الدعوات إلى زيادة الإنفاق الاتحادي. لذلك عندما اجتمع المسؤولون الأسبوع الماضي لتحديد المبلغ الذي ستقترضه الإدارة خلال الأشهر الستة المقبلة، كانوا يُركزون على أسواق السندات. ارتفعت العائدات بحدة، إذ شهدت الأوراق الحكومية أكبر عمليات بيع لها في السنوات الثلاث الماضية في أغسطس.
عطاء بلا سخاء
أعلنت وزيرة المالية نيرمالا سيتارامان أن ارتفاع العائدات جعلها مترددة في الاقتراض. في النهاية، التزمت الحكومة إلى حد كبير بخططها التمويلية. وهذا يتماشى مع ميلها لتفضيل الرسائل على الإنفاق. وقد تجلى هذا التوجه جلياً خلال الأسابيع الماضية، عندما أصرت نيودلهي على اعتبار إعادة تنظيم قانون الضرائب غير المباشرة بمثابة هدية في مناسبة ديوالي من مودي لشعبه.
لكن الأرقام تشير إلى أنها لم تكن هدية باهظة الثمن. تقدر وزارة المالية أن التخفيض الضريبي سيكلفها حوالي 480 مليار روبية (5.4 مليار دولار) فقط. ويبلغ هدف العجز للسنة المالية الحالية 4.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وقد ترفع معدلات الضرائب الجديدة هذا العجز بنسبة 0.1% فقط من الناتج المحلي الإجمالي بمجرد أخذ زيادة الطلب في الاعتبار.
الهند تقلل استيراد النفط الروسي في سبتمبر وسط محادثات مع أميركا
تكمن المشكلة في أن هناك حاجة إلى مزيد من المساعدات في الأشهر المقبلة- لا سيما في القطاعات التي ستؤثر فيها رسوم ترمب الجمركية البالغة 50% بشكل غير متناسب على الوظائف.
أفضل سيناريو، ما لم يُغيّر الرئيس الأميركي رأيه، هو أن تنجح الحكومة في تقليص البيروقراطية وأن تصبح السلع الهندية أكثر تنافسيةً بشكل طفيف، مع فتح وجهات تصدير جديدة، ربما من خلال اتفاقية تجارة حرة طال انتظارها مع الاتحاد الأوروبي. لكن هذا يتطلب جدولاً زمنياً قصيراً على غير العادة للإصلاح الإداري وفقاً للمعايير الهندية، بالإضافة إلى نظرة متفائلة إلى حد ما حول سرعة إعادة تركيز مصدّريها على أسواق جديدة تماماً.
ومع ذلك، إذا بدأت الرسوم الجمركية تؤثر سلباً قبل تطبيق أي تغييرات من هذا القبيل، فسيواجه مودي يوم حساب. بعد بضعة أشهر، قد يُجبر على الاختيار بين الدعم المكلف -وغير محدّد الأمد- لبعض القطاعات، وسمعته المكتسبة عن جدارة في الحكمة المالية. ينبغي على الشركات الهندية أن تكون مستعدة لاختياره الأخير.
نقلاً عن: الشرق بلومبرج