هل ستعجب سياسات كامالا هاريس الاقتصادية حزبها؟

هل ستعجب سياسات كامالا هاريس الاقتصادية حزبها؟

تحمست قاعدة الحزب الديمقراطي الشعبية لدى صعود كامالا هاريس المفاجئ مرشحةً عنه للرئاسة. لكن في الخفاء، تعتلج في صدور الديمقراطيين من مختلف أطياف فكرهم مخاوف غير معلنة بشأن سياساتها المستقبلية إن فازت. يبرز هذا القلق بين التقدميين غير المطمئنين إلى استعدادها لدعم أجندتهم الاقتصادية بقدر ما فعل الرئيس جو بايدن.

يتفق الجميع على أن هاريس مرشحة أقوى بكثير من بايدن، لكن بخلاف السعي لهزيمة دونالد ترمب، تبدو أولوياتها غامضة على نحو غير مألوف. ويختلف حالها عن مرشحي الرئاسة السابقين، فلم يأتِ ترشيحها عبر انتخابات تمهيدية تقليدية، ما جنبها خوض غمار مناظرات ومقابلات وتدقيق إعلامي وضغوط داخلية من مختلف تيارات الحزب، وتلك أمور عادةً ما تكشف أولويات المرشح وأجندته السياسية. بدل ذلك، حظيت هاريس بدعم غير مشروط من جميع تيارات حزبها، إذ يبدو أن رغبتهم بهزيمة ترمب تفوق أي تحفظات شخصية.

تأييد علني من رموز اليسار

لم تطفُ خلافات ذات شأن خلال مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو، حيث قدم رموز اليسار الشعبوي، مثل بيرني ساندرز وإليزابيث وارن وألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، دعمهم الكامل لهاريس. وبدل الضغط عليها لانتزاع تعهدات محددة بشأن السياسات والتعيينات، اتخذ معظم القادة التقدميين نهجاً هادئاً يقوم على الإشارة إلى تحول بايدن المفاجئ نحو اليسار بعدما فاز في انتخابات 2020 كنموذج ينبغي لهاريس أن تحتذيه.

قال عمدة نيويورك السابق بيل دي بلاسيو: “رأينا مثالاً يحتذى في كيفية انفتاح جو بايدن على بيرني ساندرز وتياره، وإدراكه مدى أهمية ذلك لوحدة الحزب. تبعث هاريس بإشارات أرى أنها تفيد بفهمها لأهمية تبني رسالة اقتصادية تقدمية شعبوية”.

لم يقتصر ما قدمه بايدن على وعود شكلية للتقدميين، بل منحهم نفوذاً حقيقياً فسمح لشخصيات مثل وارن وساندرز وأوكاسيو-كورتيز، بالمساهمة في تحديد أولوياته واختيار أعضاء إدارته.

كان اختياره لينا خان لرئاسة لجنة التجارة الفيدرالية وغاري غينسلر للجنة الأوراق المالية والبورصات، وكلاهما موضع انتقاد من مجتمع الأعمال، دليلاً على صعود نفوذ اليسار تحت إدارة رئيس لطالما عُرف عنه أنه يمثل جناحاً من الحزب يدعم الشركات. كما أصبح كبار مستشاريه، مثل رئيس الموظفين السابق رون كلاين، حلقة وصل موثوقة مع التكتلات اليسارية ومدافعين عن مصالحها داخل البيت الأبيض.

على مدى العقد الماضي، كان محور استراتيجية التقدميين الرامية لتعزيز نفوذهم في الحزب الديمقراطي هو تعيين جيل جديد من المسؤولين في مناصب قيادية داخل الهيئات التنظيمية والمؤسسات الحكومية ليسيطروا عليها في نهاية المطاف. وكانت إعادة انتخاب بايدن تكاد تضمن ذلك.

مواقف متذبذبة

تناولت أبرز النقاشات التي دارت على هامش مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو نهج هاريس تجاه قطاع الأعمال والاقتصاد، وتحديداً ما إذا كانت ستتمسك بتقارب بايدن مع اليسار في القضايا الاقتصادية. قال أحد كبار المسؤولين الاستراتيجيين التقدميين، طلب عدم كشف هويته لتفادي إغضاب حملة هاريس: “الناس يشعرون بقلق شديد جداً… نحاول إقناع أنفسنا بأن الأمور على ما يرام، ونعقد آمالنا على بعض السياسات التي تناولتها، لكننا ندرك أن هذا ليس كافياً لنطمئن”.

سبق أن خاضت هاريس انتخابات تمهيدية للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة، إذ كانت واحدة من عدة مرشحين في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في 2020 بينهم ساندرز ووارن ودي بلاسيو من اليسار، وصولاً إلى بايدن في الوسط. لكن أداءها خلال ذلك السباق جلب تساؤلات حول معتقداتها تفوق الإجابات التي قدمها.

في البداية، اصطفت هاريس مع ما بدا أنه صعود للجناح اليساري في الحزب الديمقراطي، حيث كانت أول عضو في مجلس الشيوخ تدعم خطة “الرعاية الصحية للجميع” التي طرحها ساندرز، وهي إعادة هيكلة شاملة لنظام الرعاية الصحية الأميركي. كما دعمت التقدميين في حظر التصديع المائي على الأراضي العامة، وإلغاء تجريم عبور الحدود بشكل غير قانوني. لكن عندما تبيّن أن هذه المواقف لا تحظى بشعبية خارج أوساط الناشطين الديمقراطيين، بدأت تتراجع عنها بارتباك، مستجرةً انتقادات حادة من التقدميين.

اتهمها جيف ويفر، أحد كبار مستشاري ساندرز، بمحاولة الاستفادة من شعار “الرعاية الصحية للجميع” دون دعم السياسة التي يستند إليها. كما انتقدها بايدن، إذ قال في إحدى المناظرات حينذاك: “لا يمكنك هزيمة ترمب عبر تبني خطاب مزدوج”.

غذّت مواقف هاريس المتذبذبة شكوكاً بأنها سياسية انتهازية مستعدة لتبني أي موقف لتضمن انتخابها، وسرعان ما تراجع تأييدها، فانسحبت من السباق قبل الانتخابات التمهيدية في ولاية أيوا.

تشكيك في نهجها الاقتصادي

برغم أن هاريس، شريكة بايدن في إدارة أعطت الأولوية لكثير من الأهداف التقدمية، مثل دعم النقابات العمالية وإعادة الاستثمار في الصناعة الأميركية، إلا أن تأييدها في أوساط اليساريين بقي متواضعاً. ويعزى ذلك جزئياً إلى اعتقاد التقدميين أن انفتاح بايدن على اليسار نابع من قناعة شخصية ورغبته في ترك إرث بعد مسيرة سياسية طويلة، ولا يعتقدون بأن هاريس كان لها كبير أثر في ذلك.

كما يرون أن لديها دافعاً لتنأى بنفسها عن السياسة الاقتصادية للإدارة، وهو أن تتجنب الملامة بشأن ارتفاع التضخم، الذي أثر سلباً على شعبية بايدن. في 16 أغسطس، زارت هاريس ولاية نورث كارولاينا لإلقاء ما وصفته حملتها الانتخابية بأنه “خطاب اقتصادي هام”. وقد امتعض كثير من اليساريين من قولها بأن “الوقت حان للمضي قُدُماً في شقّ طريق جديد”.

عززت تصريحات كهذه شكوك الليبراليين بأن هاريس قد تسعى للتودد إلى الشركات. وفي شيكاغو، أشار بعض ممثليها إلى أنها ستتبنى موقفاً ألطف تجاه قطاع الأعمال مقارنةً مع بايدن. خلال فعالية نظمتها مجلة “بلومبرغ بيزنسويك”، ذكرت وزيرة التجارة السابقة بيني بريتزكر أن هاريس “تميل إلى العمل جنباً إلى جنب مع قطاع الأعمال والنقابات، بدل أن تعلن مواقف تجعلها تختار طرفاً دون آخر”.

في هذا السياق، يضغط عدة أثرياء تبرعوا لحملة هاريس على فريقها لاستبدال بعض كبار المسؤولين التنظيميين في الحكومة الاتحادية، مثل خان وغينسلر، وهما من رموز الجناح التقدمي في الحزب. سبق أن تعرضت خان لانتقادات شديدة من مليارديرات مثل الرئيس التنفيذي لشركة “أي إيه سي” (IAC) باري ديلر والمؤسس الشريك لـ”لينكد إن” ريد هوفمان، بسبب تصديها لعدة صفقات اندماج بين شركات ولاتباعها نهجاً صارماً في مكافحة الاحتكار. أما غينسلر، فقد شيطنته شركات وول ستريت، وخاصة قطاع الأصول الرقمية، بسبب تضييق لجنة الأوراق المالية والبورصات على العملات المشفرة.

أقوال بدون أفعال

أشاد الملياردير مارك كوبان بهاريس في مقابلة مع قناة “سي إن بي سي”، ووصفها بأنها “مؤيدة لقطاع الأعمال”، حيث دعا حملتها لإقالة غينسلر وعرض نفسه كبديل لتولي لجنة الأوراق المالية والبورصات. كان ديلر وهوفمان وكوبان من بين 88 قائد أعمال أعلنوا دعمهم لهاريس في رسالة علنية في 6 سبتمبر.

مع ذلك، هناك مؤشرات إلى أن انفتاح هاريس على قطاع الأعمال قد يبقى أقوالاً لا تصبح أفعالاً، إذ ما تزال متمسكةً بكثير من سياسات بايدن التي أنعشت الاقتصاد في فترة ما بعد الجائحة ودعمت الأسواق وجلبت الأرباح للطبقة الوسطى. ولعل بادرتها الأوضح تجاه اليسار كانت اختيارها تيم والز مرشحاً لمنصب نائب الرئيس.

قالت ستيفاني تايلور، الشريكة المؤسسة لحملة التغيير التقدمية إن “اختيار تيم والز كان خطوة أولى ممتازة، وأعتقد أن الحماسة التي نشهدها تجاهه انعكاس للسياسات الشعبوية القوية التي أسس لها كحاكم لولاية مينيسوتا، كما أنها تبيّن أن هذا هو موقع زخم الحزب”.

وتفاءل التقدميون بنتيجة خلاف فكري نادر داخل الحزب استعر خلال الصيف. فخلال مقابلة مع “سي إن إن” في يوليو، اتهم هوفمان، الذي تبرع بعشرة ملايين دولار لحملة هاريس، خان بأنها “تشنّ حرباً على الشركات الأميركية”. كما أعرب عن أمله بأن تستبدلها هاريس على رأس لجنة التجارة الفيدرالية. ويجدر ذكر أن هوفمان هو عضو في مجلس إدارة شركة “مايكروسوفت”، التي تخضع صفقتها مع شركة “إنفلكشن إيه أي” (Inflection AI) لتدقيق لجنة التجارة الفيدرالية.

جاء الرد على تعليقه سريعاً وحاداً. فقد قال ساندرز: “لا يحق لأحد، لا ريد هوفمان ولا إيلون ماسك ولا أي ملياردير آخر، أن يشتري انتخاباتنا”، موسعاً الهجوم عبر إعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي. بعد أيام من ذلك، صرح هوفمان في مقابلة تهدئة أنه لن يحض هاريس على إقالة خان.

مواقف مشتركة مع بايدن

عموماً، يبدو أن التقدميين راضون عن حزم الإدارة تجاه قضايا مكافحة الاحتكار منذ صعود نجم هاريس في يوليو. قالت ليندسي أوينز، المستشارة السابقة لإليزابيث وارن ومديرة مؤسسة “غراوندورك كولابراتيف” المتخصصة في الأبحاث الاقتصادية التقدمية: “منذ المؤتمر، رفعت وزارة العدل دعوى ضد شركة (ريل بايج) لتواطئها مع أصحاب العقارات في تثبيت أسعار الإيجارات، وبدأت المحكمة النظر في القضية التي رفعتها لجنة التجارة الفيدرالية لمنع صفقة الدمج بين شركتي السوبرماركت (كروغر) و(ألبرتسونز)، وأعلنت اللجنة أنها تعاين صفقة اندماج (مارس) و(كيلانوفا)… يوحي هذا لي بأن الأجندة التقدمية في صعود وأن أمثال ريد هوفمان في تقهقر”.

في عيد العمال، بعثت هاريس بإشارات إضافية تفيد أن مواقفها قد لا تختلف كثيراً عن مواقف بايدن. فقد أعلنت أمام حشد من العمال النقابيين في بيتسبرغ أنها تعارض، كما بايدن، عرض شركة “نيبون ستيل” اليابانية لشراء شركة “يوناتيد ستيتس ستيل” في صفقة تبلغ قيمتها 14 مليار دولار، وهي مرهونة بموافقة الهيئات الناظمة الاتحادية. وقالت: “حيوي لأمتنا أن نحافظ على شركات صلب أميركية قوية”. وما كانت سوى أيام حتى انتشر أن بايدن يستعد لصد الصفقة برمتها.

لكن حتى أكثر التقدميين تفاؤلاً يعترفون أن غموض حملة هاريس يثير تساؤلات حول ما قد تفعله إذا وصلت إلى البيت الأبيض. قال دي بلاسيو: “أقرّ أنني غير قادر على قراءة كلّ الدلائل، فلم نتيقن بعد بشأن رؤيتها لدور قطاع الأعمال”.

ملحوظة: مصدر الخبر الأصلي هو صحيفة اقتصاد الشرق