كيف يسعى المغرب للنجاح في رهان الهيدروجين الأخضر؟

رغم تصاعد الشكوك التي تحيط بمشاريع الهيدروجين الأخضر، وضبابية الطلب العالمي، يمضي المغرب في رهانه على تطوير القطاع وخاصة الأمونيا الخضراء والوقود الاصطناعي.
هذه الشكوك طغت خلال الدورة الخامسة من القمة العالمية للهيدروجين الأخضر ومشتقاته، التي انعقدت الأسبوع الماضي بمدينة مراكش المغربية، وبرزت تساؤلات حول الجدوى الاقتصادية وتباطؤ تطوير المشاريع، وعدم انخفاض تكاليف إنتاج الوقود النظيف بالسرعة المتوقعة، على نقاشات المشاركين من مسؤولين حكوميين ومستثمرين دوليين، لكن الحكومة المغربية ممثلة في ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة أكدت خلال افتتاح القمة على تمسكها برؤيتها الاستراتيجية، مشيرة إلى أن الدولة ماضية قدماً في تسريع الانتقال الطاقي، وتحقيق إنتاج تجاري قبل نهاية العقد الجاري.
يُعد المغرب من أوائل دول المنطقة التي بادرت إلى وضع أسس لتطوير هذا القطاع، حيث خصص مليون هكتار من الأراضي للمشاريع الاستثمارية المرتبطة بالهيدروجين الأخضر، وشكّل لجنة حكومية مشتركة لتطوير منظومة قانونية وتنظيمية متكاملة، بهدف استقطاب أولى المشاريع التحضيرية للتحول إلى مُصدّر رئيسي للهيدروجين ومشتقاته نحو الأسواق الأوروبية.
أعلنت الحكومة المغربية في مارس الماضي، عن باكورة المشاريع الاستثمارية الكبرى بقيمة إجمالية تبلغ 319 مليار درهم (حوالي 35 مليار دولار)، ستنفذها شركات مغربية وإماراتية وسعودية وأميركية وأوروبية. وتغطي هذه المشاريع إنتاج الأمونيا والوقود الاصطناعي والفولاذ الأخضر، ما يعكس طموح المغرب في بناء سلسلة قيمة صناعية محلية متكاملة حول هذا القطاع.
طالع المزيد: المغرب يختار 6 مشاريع للهيدروجين الأخضر باستثمارات 33 مليار دولار
طموح المغرب يصطدم بواقع عالمي معقد
لكن هذا الطموح يواجه واقعاً عالمياً معقداً، إذ تُشير بيانات “بلومبرغ” إلى أن عدد مشاريع الهيدروجين الأخضر التي أُلغيت خلال العام الماضي ارتفع بنسبة 233% ليصل إلى 20 مشروعاً، في حين أُلغيت 12 مبادرة إضافية حتى منتصف أغسطس الجاري، وهو ما يعكس حجم المراجعة التي تشهدها الشركات العالمية لاستراتيجياتها في هذا المجال بسبب التكاليف المرتفعة وتأخر وضوح الطلب.
ورغم هذه التحديات، يواصل المغرب الاستثمار في نقاط قوته الطبيعية، مستفيداً من موارده الغنية من الطاقة الشمسية والرياح وامتداده البحري الطويل لتطوير مشاريع متكاملة للهيدروجين الأخضر. وتستهدف المملكة، وفق الوكالة المغربية للطاقة المستدامة (MASEN)، تلبية أكثر من 4% من الاحتياجات العالمية من هذا الوقود النظيف.
ومن أبرز الشركات العالمية في السوق المحلية، “أكوا باور” السعودية و”طاقة” الإماراتية، إضافة إلى “توتال إنرجي” الفرنسية، إلى جانب “OCP”، وأورتوس” الأميركية، و”أكسيونا” الإسبانية، و”يونايتد إنرجي” الصينية، يُضاف إليها شركة “ناريفا” المغربية.
تطوير سلسلة تنافسية في الهيدروجين الأخضر
عمر علوي محمدي، المدير العام لشركة “أكوا باور” في المغرب، اعتبر في مقابلة مع “الشرق” أن المملكة تمتلك كل المقومات لتطوير سلسلة تنافسية في الهيدروجين الأخضر، بفضل مواردها المتجددة الوفيرة، لكنه شدد على أن النجاح في هذا المسعى يتطلب تسريع اعتماد إطار قانوني متكامل ورؤية استراتيجية طويلة الأمد تنظم سلسلة القيمة كاملة من الإنتاج إلى التصدير.
يراهن المغرب على الهيدروجين الأخضر ليس فقط كوقود نظيف، بل كرافعة لتحديث الصناعة الوطنية. فصناعات مثل الأسمدة والفولاذ والنقل البحري يمكن أن تستفيد مباشرةً من هذا التحول. وتُقدَّر واردات مجموعة “المكتب الشريف للفوسفاط” (OCP)، المملوكة للدولة، من الأمونيا الرمادية بنحو مليوني طن سنوياً، وهو ما يمثل فرصة لتطوير إنتاج محلي من الأمونيا الخضراء لتغطية حاجيات القطاع وتخفيض فاتورة الاستيراد.
وقال محمدي إن فرص الشراء تبدو واعدة بفضل الاحتياجات المحلية لقطاع صناعة الأسمدة، لافتاً إلى إمكانية توقيع عقود شراء طويلة الأجل مع شركات أوروبية بفضل القرب الجغرافي للمغرب من القارة.
وأضاف: “المغرب قادر أن يتحول إلى مركز إقليمي لإنتاج الوقود الاصطناعي بالنظر إلى توفر موانئ استراتيجية تستقطب حركة تجارية دولية كبيرة، مما يمكّنه من توفير هذا الوقود للسفن وتصديره نحو أوروبا”.
أوروبا نافذة المغرب لتصدير الوقود النظيف
أطلقت المملكة العام الماضي دراسة بدعم من البنك الدولي حول إمكانيات تخزين وإمداد وتصدير الهيدروجين الأخضر ومشتقاته عبر 4 موانئ رئيسية، بهدف استعماله كوقود بديل في النقل البحري وتقليص الانبعاثات الكربونية. هذا التوجه ينسجم مع أهداف الاتحاد الأوروبي الذي يطمح إلى استيراد 10 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر بحلول 2030، وهو ما يجعل من المغرب شريكاً مرشحاً بقوة لتزويد السوق الأوروبية.
رغم وضوح الرؤية المغربية، إلا أن قطاع الهيدروجين الأخضر لا يخلو من تحديات هيكلية وتنظيمية. سمير رشيدي، المدير العام لمعهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات الجديدة (IRESEN)، طرح أبرز هذه التحديات، مشيراً إلى أن غياب عقود شراء طويلة الأمد والتي تضمن للمستثمرين استقرار العوائد على المدى البعيد أبرز تحدٍّ، موضحاً: “حتى الآن لا توجد دول أو جهات حكومية أو خاصة مستعدة لشراء منتجات الهيدروجين الأخضر لآجال طويلة، وهو ما يعرقل المبيعات التجارية”.
ورغم التحديات، يحتفظ المغرب بموقع تنافسي على خريطة الانتقال الطاقي في المنطقة بفضل مزيج متنوع من الطاقات المتجددة. فبحسب الوكالة المغربية للطاقة المستدامة، تجاوزت حصة الطاقات النظيفة 40% من إجمالي القدرة الكهربائية المركبة، مع هدف بلوغ 52% بحلول 2030. هذه الوفرة في طاقتي الشمس والرياح تمنح البلاد الحد الأدنى من تكاليف الإنتاج في المنطقة، ما يجعلها مرشحة لتكون مركزاً تنافسياً لتصنيع الهيدروجين الأخضر وتصديره.
وأضاف رشيدي أن التحدي الثاني يتعلق بالإطار القانوني والتنظيمي، خاصة وأن المغرب يراهن أساساً على التصدير إلى الأسواق الأوروبية، وهو ما يتطلب تحديث التشريعات المحلية لتتماشى مع القوانين والمعايير الأوروبية قيد التطوير. وقال: “في المغرب سيكون هناك استعمال محلي للهيدروجين الأخضر ومشتقاته، لكن حوالي 70% من الفرص موجهة للتصدير، لذا يجب أن نكون استباقيين لنيل الأفضلية والتنافسية”.
يُعد مشروع “توتال إنرجي” الفرنسية من أبرز المشاريع التي أحرزت تقدماً، إذ عقدت الشركة، التي تقود تحالفاً يضم “Copenhagen Infrastructure Partners” و”A.P. Moller”، اجتماعاً مع اللجنة الحكومية في يوليو الماضي تم خلاله المصادقة على نتائج الدراسات الأولية الخاصة بالمشروع، ما يشير إلى انتقاله إلى مرحلة متقدمة من التطوير.
الهيدروجين الأخضر وخلق الوظائف
بدوره، اعتبر بدر إيكن، الشريك المدير لشركة “Gi2” للاستشارة في مجال الانتقال الطاقي، أن المقاربة المغربية في تطوير قطاع الهيدروجين الأخضر تُعد “عملية ومتميزة” مقارنة بتوجهات مناطق أخرى في العالم. وقال: “بينما تركز بعض الدول على تطوير الوقود الصناعي مثل الكيروسين أو الديزل، الذي ما تزال تكاليفه تفوق بثلاثة إلى أربعة أضعاف تكاليف الوقود الأحفوري، اختار المغرب أن يراهن أولاً على الأمونيا الخضراء بالنظر إلى توفر صناعة أسمدة محلية تسعى للاستغناء عن الاستيراد”.
اهتمام المستثمرين بالاستثمار في المغرب تكشفه أرقام جمعتها شركة الاستشارة في مجال الانتقال الطاقي، حيث قالت إن الحكومة تلقت خمسين مشروعاً لتطوير الهيدروجين الأخضر بقدرات إجمالية تفوق 30 غيغاواط واستثمارات تُقدّر بنحو 100 مليار يورو بحلول نهاية العقد الجاري.
ويرى إيكن أن الرهان على الأمونيا الخضراء يضمن جدوى اقتصادية أكبر للمشاريع ويعزز جاذبيتها للمستثمرين، لأنه يسمح بتقليص واردات الأمونيا الرمادية وتعويضها بإنتاج محلي منخفض الكربون. كما أن هذه المقاربة التدريجية تمهد لتوسع مستقبلي نحو إنتاج الميثانول والوقود الصناعي مثل الكيروسين الأخضر.
وتُظهر التقديرات الاقتصادية أن كل غيغاواط من القدرة الإنتاجية في الهيدروجين أو الأمونيا الخضراء يمثل استثماراً يتراوح بين 2 و2.5 مليار دولار، ويوفر ما بين 35 و40 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة. وبحلول عام 2040، إذا نجح المغرب في بلوغ 200 غيغاواط من القدرات الإنتاجية، فقد يخلق أكثر من 4 ملايين وظيفة ويوفر إيرادات محلية تناهز 60 مليار دولار، وفقاً لتقديرات إيكن.
إنفوغراف: كيف تطور معدل بطالة الشباب في المغرب منذ 2019؟
وتحظى هذه الآفاق الاقتصادية بأهمية خاصة بالنظر إلى ارتفاع معدل بطالة الشباب إلى أكثر من 35%. ويرى إيكن أن مشاريع الهيدروجين الأخضر يمكن أن تُسهم في خلق فرص شغل نوعية في مجالات متعددة تشمل الصناعات الإلكترونية والميكانيكية، وكيمياء العمليات، واللوجستيك، والبنية التحتية المينائية، بما يجعل من هذا القطاع قاطرة جديدة للتصنيع المستدام والتنمية الاقتصادية في البلاد.
نقلاً عن: الشرق بلومبرج