“فرصة بالمليارات”.. عمل المرأة قد يرفع اقتصاد الشرق الأوسط 30%

بينما تواجه دول الشرق الأوسط تحديات خلق وظائف لملايين الشباب،يقف نصف طاقتها الإنتاجية على الهامش. البنك الدولي يضع إصبعه على “الفرصة الضائعة”: الطاقة النسائية غير المستثمرة المقدّرة بمليارات الدولارات.
في تقريره الجديد الصادر هذا الأسبوع، يحمل “البنك الدولي” رسالة واضحة: إشراك النساء في سوق العمل هو أكبر رافعة اقتصادية غير مستغلة في المنطقة.
التقرير الذي جاء بعنوان “الوظائف والنساء: طاقات غير مستغلة ونمو غير محقق”، لا يراوغ في لغته: رفع مشاركة النساء في سوق العمل قد يزيد نصيب الفرد من الناتج المحلي في بعض دول المنطقة بما يصل إلى 30%. لا توجد منطقة أخرى في العالم تملك هذا النوع من المكاسب المعلقة.
مكاسب اقتصادية ضخمة
يقول التقرير عن “البنك الدولي” إن مشاركة المرأة في سوق العمل في “منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان” لا تزال “من بين الأدنى في العالم”.
ورغم أن نساء المنطقة يتخرجن بأعداد تفوق الرجال في أغلب الأحيان، إلا أن واحدة فقط من بين كل 5 نساء تشارك فعلياً في سوق العمل. للمقارنة؟ النسبة تصل إلى 55% في الاقتصادات المتقدمة و60% في شرق آسيا.
هذا الفارق الهائل لا يمثل مجرد تحد اجتماعي، بل هو قيد اقتصادي هيكلي. فكل امرأة لا تدخل سوق العمل تعني إنتاجاً أقل ونفقات حكومية أعلى على الدعم الاجتماعي، وفرصاً ضائعة في ريادة الأعمال والابتكار.
وأجرى البنك الدولي محاكاة لتأثيرات إزالة العقبات التي تواجه النساء في دول المنطقة على الاقتصاد، ليتبين أن تذليل هذه العقبات من شأنه أن يرفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسب تتراوح بين 20% إلى 30%، خصوصاً في دول مثل مصر والأردن وباكستان، والتي وصفها التقرير بأنها “من أكبر المكاسب المحتملة عالمياً”.
مرحلة مفصلية
تمر المنطقة في لحظة مفصلية، إذ تشير التقديرات إلى أن نمو السكان في سن العمل في دولها سيفوق قدرة الاقتصادات على خلق فرص العمل.
وتوقع التقرير، أن “ينمو عدد السكان في سن العمل بحوالي 220 مليوناً على مدى ربع القرن المقبل، بزيادة تقارب 40%، وهي ثاني أكبر زيادة على مستوى المناطق العالمية”.
من جهة أخرى فإن دول المنطقة تواجه تحدياً آخر يتمثل في “الارتفاع الكبير في معدلات إعالة كبار السن، ما سيؤدي إلى إضعاف وتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي لدول المنطقة، وأنظمة الحماية الاجتماعية وأرصدة الدول المالية”. التحديان أعلاه يتزامنان مع “انخفاض الخصوبة”، ما يصعّب على دول المنطقة إضافة المزيد من اليد العاملة مستقبلاً.
ولكن هذا المسار ليس حتمياً، إذ باستطاعة دول المنطقة عكسه من خلال تعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل، وذلك من خلال تذليل العقبات الرئيسية.
نوعان من العقبات
قسّم التقرير العقبات التي تواجه إشراك النساء في سوق العمل إلى قسمين. الأول يتمثل في العقبات التي تمنع النساء من طلب العمل. أما الثاني فيأتي من ناحية العرض.
ولفت إلى وجود قيود تترتب على المرأة، ما يحد من قدرتها على المشاركة في سوق العمل. أبرز هذه القيود تتمثل في المخاوف من التحرش أو النقل غير الموثوق به، بالإضافة إلى تعذر الوصول إلى خدمات رعاية الأطفال أو ارتفاع تكلفتها.
أما القيود من ناحية أصحاب العمل، فتشمل بحسب التقرير التمييز بين الجنسين من حيث المناصب والأجور والتوظيف، بالإضافة إلى الركود الذي قد يواجه القطاع الخاص في خلق الوظائف الجديدة. بالإضافة إلى ذلك، لفت التقرير إلى أن “الجاذبية القوية للقطاع العام تبعد النساء ذوات المهارات العالية عن ريادة الأعمال ووظائف القطاع الخاص”.
تترافق هذه العوائق مع غياب القوانين المنظمة في بعض الدول، مثل قوانين الحماية من التحرش أو المساواة في الأجور، ما يفاقم من المشكلة.
مصر كمثال
التقرير بيّن أن إزالة أي من نوعي التشوّه من شأنه أن يرفع بشكل كبير معدل مشاركة الإناث في القوى العاملة في المنطقة.
على سبيل المثال، لفت التقرير إلى أن إزالة تشوهات عرض العمالة في مصر من شأنه أن “يرفع معدل مشاركة الإناث في القوى العاملة بحوالي 9 نقاط مئوية، أي بزيادة تقارب 50% عن المستويات الحالية”.
وستؤدي إزالة تشوهات طلب العمالة إلى “زيادة في معدل مشاركة الإناث في القوى العاملة تبلغ حوالي 7 نقاط مئوية، أي زيادة بنسبة 38% في المتوسط”.
ولكن التقرير نبّه في الوقت ذاته إلى أن العديد من الدول، ومنها مصر والأردن، تشهد “تراجعاً أو ركوداً في معدل مشاركة الإناث في القوى العاملة”.
كما نوّه بالزيادة الكبيرة لمشاركة السعوديات في سوق العمل، إذ ارتفع المعدل من 20% إلى 34% خلال العقد الماضي”، معتبراً أن هذه الزيادة “من بين الأسرع عالمياً”.
“الرافعة الوحيدة المتاحة”
خلص التقرير إلى أن التحولات الديموغرافية والاقتصادية التي تشهدها المنطقة، تعني أنه “لم يعد بوسع المنطقة تحمل ترك نصف مواهبها غير مستغلّة”.
واعتبر أن “توسيع مشاركة المرأة في القوى العاملة أمر محوري للنمو والقدرة على الصمود في مواجهة التغير الديموغرافي الوشيك”، خصوصاً أن أكبر العوائد “تأتي من “الإصلاحات الشاملة التي تزيد من توفر وظائف القطاع الخاص، وتزيل التشوهات القانونية والمعيارية، وتقلل من الحواجز المتعلقة بالتنقل ومسؤوليات الرعاية”.
ولتحقيق هذه الغاية، اقترح التقرير سياسات مصممة بعناية لدمج المرأة في سوق العمل، مثل الاستثمار في وسائل النقل والسلامة، وتقديم حوافز أو دعم لرعاية الأطفال، إضافة إلى تعزيز القوانين التي تمنع التمييز في التوظيف، وذلك بالتزامن مع تطوير القوانين والوعي الاجتماعي بأهمية عمل المرأة.
والحال، أنه رغم اعتراف التقرير بتقدم دول في المنطقة عن أخرى في مجال مشاركة المرأة في سوق العمل، إلا أن خلاصته تؤكد أنها أصبحت “الرافعة الوحيدة المتاحة لتغيير المسار”، وأصبح هذا الأمر حاجة ملحة أكثر منه فرصة يمكن للدول استغلالها لتحسين اقتصادها.
نقلاً عن: الشرق بلومبرج