السيادي السعودي و”إنجي” الفرنسية يعززان فورة السندات الخضراء

يتجه المقترضون، بدءاً من صندوق الثروة السيادي السعودي ووصولاً إلى شركة الطاقة الفرنسية “إنجي” (Engie)، إلى أوروبا لجمع التمويل الأخضر، فيما تشهد السوق أقوى موجة نشاط منذ 18 شهراً تقريباً.
افتتح صندوق الاستثمارات العامة سجل طلبات الشراء لأول طرح لسندات خضراء مقومة باليورو، عقب طرح أربعة مُصدرين سندات خضراء مقومة بالعملة نفسها يوم الإثنين، وفقاً لبيانات جمعتها “بلومبرغ”.
وتشير الوتيرة الحالية إلى أن حجم إصدارات السندات الخضراء في أوروبا خلال أكتوبر يتجه إلى تجاوز نظيره في سبتمبر البالغ 38.4 مليار يورو (44.8 مليار دولار)، الذي مثل الشهر الأكثر نشاطاً في طروحات السندات منذ مايو 2024، بحسب البيانات.
فورة في التمويل الأخضر
يعود المقترضون إلى السندات المعتمدة على معايير البيئة والمجتمع والحوكمة، بعد عزوف في وقت سابق من هذا العام عندما انسحبت الولايات المتحدة من اتفاقية باريس بشأن أهداف المناخ، وسعى الحزب الجمهوري، الذي ينتمي إليه دونالد ترمب، إلى منع استراتيجيات الاستثمار القائمة على الحوكمة البيئية والمجتمعية والمؤسسية.
لكن في ظل قرب تكاليف الاقتراض العالمية من أدنى مستوياتها منذ 2007، ومُضي حكومات دول -مثل بولندا وسلوفينيا- قدماً في خطط تحول الطاقة، عادت السندات المتوافقة مع معايير البيئة والمجتمع والحوكمة بقوة إلى واجهة أدوات التمويل.
قال جوناثان شروير، استراتيجي ائتمان الحوكمة البيئية والمجتمعية والمؤسسية لدى “يوني كريديت” (UniCredit): “تباطأت وتيرة إصدار السندات الخضراء في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، لذا أتوقع أن ما نشهده حالياً هو نوعاً ما من تأثير اللحاق بالركب. العالم لم يتغير فعلياً في ظل إدارة ترمب، وبدأنا نحصل على قدر من الوضوح حيال السنوات القليلة المقبلة، فبينما قد يتخذ ترمب موقفاً معارضاً للحوكمة البيئية والمجتمعية والمؤسسية، هذا لا يعني أن بقية دول العالم تتخذ الموقف نفسه”.
طلب قوي من المستثمرين
تجلى ذلك في إقبال المستثمرين القوي على الإصدارات الماضية، فجذب طرح “سيش إنفيوريمون” (Seche Environnement) سندات خضراء هجينة بقيمة 300 مليون يورو الأسبوع الماضي طلبات بأكثر من 10 أضعاف حجم الصفقة، فيما تلقى طرح “إنجي” المُكوَّن من شريحتين طلبات تغطي قيمة نوعي السندات الهجينين الدائمين المطروحين بمقدار 4.25 مرة.
وقال كريس راتي، كبير محللي الحوكمة البيئية والمجتمعية والمؤسسية في “بلومبرغ إنتليجنس”، إن “المزيج الذي يجمع بين الدعم الحكومي المُقدم في التنمية المستدامة وتمويل تحول الطاقة، بالإضافة إلى انخفاض أسعار الفائدة، أدى إلى ارتفاع إصدارات السندات الخضراء، وقد يستمر ذلك في الربع الرابع. لا يزال الطلب من المستثمرين قوياً جداً”.
يسعى صندوق الاستثمارات العامة، إلى الاستفادة من قاعدة المستثمرين الراسخة فيما يخص السندات المتوافقة مع معايير أخلاقية، بعد النجاح الذي حققته الحكومة السعودية في أول طرح في سوق السندات الخضراء المقومة باليورو في فبراير. وجذبت السعودية طلبات تناهز 5 أضعاف حجم الطرح البالغ 1.5 مليار يورو، بحسب البيانات التي جمعتها “بلومبرغ”، مع التقلص الملموس في عائدات السندات في الأسواق الثانوية منذ الإصدار.
قال أبوستولوس بانتيس، المدير الإداري للدخل الثابت في “يونيو بانكير بريفي” (Union Bancaire Privee)، إن “الخطوة تستفيد من ظروف مواتية في سوق السندات المقومة باليورو، من حيث انخفاض أسعار الفائدة وقاعدة المستثمرين الأكبر في السندات الخضراء. توجد قاعدة مستثمرين مخصصة لتلك السندات، وهي أكثر انتشاراً في أوروبا مقارنةً بالولايات المتحدة”.
أعمق سوق سندات في العالم
استهلت طروحات السندات المستدامة عالمياً 2025 ببداية ضعيفة، مع تعامل الأسواق مع أحداث محفوفة بالمخاطر، مثل انهيار الحكومة في ألمانيا، ومعارضة الرئيس ترمب للحوكمة البيئية والمجتمعية والمؤسسية. واستمر تباطؤ إصدار السندات الخضراء في الولايات المتحدة هذا العام، إذ بلغت قيمة الطروحات 39.5 مليار دولار فقط، ما يُتوقع أن يمثل أدنى إجمالي سنوي منذ 2019.
في المقابل، فإن السوق في آسيا في وضع أفضل، إذ ارتفعت إصدارات الشركات والحكومات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ 16% لتبلغ 140 مليار دولار، ما يمثل مستوى قياسياً خلال الفترة، واستأثرت الشركات المالية بأكثر قليلاً من نصف إجمالي الإصدارات، أما من حيث العملة، فكانت 59% من الطروحات مقومة باليوان الصيني، وفقاً للبيانات التي جمعتها “بلومبرغ”.
لم يتضح بعد ما إذا كان الزخم الإيجابي الذي حدث في الآونة الأخيرة سيستمر في العام المقبل، لكن الإشارات تدل على تزايد اهتمام المقترضين والمستثمرين -على حد سواء- بالسندات الخضراء. ويجب تخصيص حصيلة هذا النوع من التمويل حصراً للمشروعات التي تحقق منافع بيئية، مثل خفض انبعاثات الغازات الدفيئة.
وأضاف شروير من “يوني كريديت”: “أتوقع أن تأثير اللحاق بالركب قد يتواصل ويجد مجالاً للاستمرار في العام المقبل. إن سوق السندات المقومة باليورو هي أعمق سوق في العالم للسندات المتوافقة مع معايير البيئة والمجتمع والحوكمة، ولم نرَ أي إشارة إلى تغير قاعدة المستثمرين الأوروبيين فيما يخص هيكل الطلب”.
نقلاً عن: الشرق بلومبرج