من سائق حافلة إلى مدرب من الطراز الأول.. رحلة غونزاليس المذهلة مع إسبانيول

من سائق حافلة إلى مدرب من الطراز الأول.. رحلة غونزاليس المذهلة مع إسبانيول

لم يُحقق مانولو غونزاليس كل ما كان يُنتظر منه كلاعب كرة قدم، لكنه اليوم يعيش قمّة مسيرته كمدرب، بعد أن صعد من أدنى درجات السلم الكروي الإسباني حتى المركز الخامس في الليغا.

وفي تقرير لصحيفة “الغارديان”، رصدت القصة المذهلة للرجل الذي بدأ سائق حافلة بين بادالونا وبرشلونة، قبل أن يصبح مدربًا في دوري الدرجة الأولى الإسبانية.

وأشارت إلى أن رحلته لم تكن سهلة، فقد مرّ بكل المراحل الممكنة في كرة القدم الإسبانية، من الدوري الإقليمي الكتالوني إلى الليغا، مرورًا بالدرجات الدنيا مثل “تيرسيرا” و”سيغوندا ب”، التي تضم مئات الفرق الصغيرة المنتشرة في أنحاء البلاد.

مساء الخميس، سيقود إسبانيول فريقه في مواجهة أتليتيك لييدا ضمن الدور الأول من كأس ملك إسبانيا، التي تعد مواجهة بين عالمين مختلفين تمامًا، فريق لييدا ينشط في الدرجة الرابعة شبه الاحترافية، بينما يحتفل إسبانيول أخيرًا بمرور 125 عامًا على تأسيسه وبتقدمه إلى المراكز المؤهلة لدوري أبطال أوروبا.

ومع ذلك، فهناك ما يجمع بين المدربين المتقابلين، إذ يقول غابري غارسيا، مدرب لييدا: “أنا أعرف مانولو، لقد تواجهنا من قبل في مستوياتنا الدنيا، نحن قادمون من الأعماق نفسها”.

كلمات غارسيا تلخّص رحلة غونزاليس بدقة: رجل صعد من القاع دون أن ينسى جذوره، فبعد سنوات طويلة قضاها خلف مقود الحافلة التي كانت تنقل الركاب إلى برشلونة، قرر في النهاية أن يترك المقود ليمسك بالخطط والتكتيك، رحلة طويلة ومتواضعة صنعت منه رمزًا للكدّ والإصرار في كرة القدم الإسبانية.

كل ذلك يبدو منسجمًا تمامًا مع قصة حياته التي صاغت شخصيته، فأول ما يقوله مانولو غونزاليس، وسط أصوات الصراخ في مقر تدريبات إسبانيول، ذلك الضجيج الذي يُشكّل خلفية كل مباراة، هو ببساطة: “أنا رجل عادي”.

مانولو غونزاليس

يصف وصوله إلى الليغا بأنه “مسألة حظ أو يانصيب”، لكنه في الحقيقة ثمرة عمل وجهد ومثابرة لا تنتهي، موهبة وشخصية صلبة وساعات طويلة من التعلم والتجربة، كثير منها جاء من أماكن غير متوقعة إطلاقًا.

يقول مبتسمًا: “يومًا ما تكون جون ترافولتا، واليوم التالي تصبح مانولو غونزاليس”.

الجملة تحمل نغمة ساخرة وتحذيرًا في الوقت نفسه، في كرة القدم يمكن أن يتغير كل شيء بسرعة: من نجم متألق يعيش أجواء “حمى ليلة السبت” إلى رجل أصلع يقف على خط التماس.

لكن كما يضيف: “ليس دائمًا هذا شيئًا سيئًا”، ففي مارس من العام الماضي، تم تعيينه مدربًا لإسبانيول، وكان حينها في الخامسة والأربعين، شبه مجهول، يعيش في الشقة نفسها التي عاش فيها طوال حياته، ولم يسبق له أن درّب في مستوى “احترافي” من قبل.

مانولو غونزاليس

ويقول مانولو غونزاليس بابتسامة تجمع بين الواقعية والدهشة: “عندما تصل إلى هذا المستوى، تشعر وكأنك لم تكن مدربًا من قبل”.

وتابع متسائلًا: “هل يُعقل؟ في أبرّو، في بينيا ديبورتيفا، في بادالونا، ألم أكن مدربًا هناك؟ أكنت أنتظر الآن لأصبح مدربًا حقًا؟ لقد كنت أدرّب منذ زمن طويل”.

في الحقيقة، لقد قضى أكثر من ثلاثين عامًا في عالم التدريب، وهي المدة التي شكّلت شخصيته المهنية والإنسانية، وجعلته ما هو عليه اليوم، إنه السبب الذي يفسّر نجاحه اللافت مع إسبانيول، الذي بات يُعتبر أكثر المدربين شعبية في النادي منذ سنوات.

النشأة

وُلد مانولو غونزاليس في قرية صغيرة تُدعى فولغوسو دو كورييل في إقليم غاليسيا، قبل أن تنتقل عائلته إلى برشلونة عندما كان في الثالثة من عمره.

كانت والدته تدير مطعمًا في شارع فالنسيا، وهناك بدأ مانولو يمارس كرة القدم في أحياء المدينة.

كان يُلقّب بـ”ستوويتشكوف”، على اسم النجم البلغاري الشهير، بسبب طبعه العصبي داخل الملعب، وقد كان لاعبًا موهوبًا، لكنه يعترف اليوم قائلاً: “كنت جيدًا، لكن ليس بالقدر الكافي. ولم أصل أبدًا إلى المستوى الذي كان يمكنني الوصول إليه”.

ويشرح بصراحة شديدة: “سقف مستواي كان دوري الدرجة الثانية (سيغوندا ب)، والسبب يعود إلى حالتي البدنية وطريقتي في التفكير، كنت كل ما لا أريده أن يكون عليه لاعبو فريقي اليوم، نعم، كنت مهووسًا بالمنافسة، كنت أطرد كثيرًا، وإذا خسرنا مباراة، كانت أمي تعرف أنه لا يجب أن تكلمني، لكني لم أتصرف بشكل جيد، ولم يكن لدي من يوجّهني أو ينصحني”.

مانولو غونزاليس

بدايته التدريبية

وعن دخوله عالم التدريب، أوضح: “بدأت التدريب عندما كنت في السادسة عشرة من عمري، فعلت ذلك لأنني كنت أحب التدريب، ولم أظنّ يومًا أنني سأصل إلى ما أنا عليه الآن، كنت ألعب دائمًا، لكنني لم أكن أفهم حقًا كيف ألعب”.

ويشير إلى الشخص الذي غيّر نظرته إلى كرة القدم: “مدرب اسمه أنطونيو سانشيز هو من غيّر طريقتي في رؤية اللعبة، علّمني أن أفهم لماذا نقوم بما نقوم به في الملعب. أعتقد أنه بفضله أصبحت مدربًا”.

 

 

سائق حافلة

حتى عام 2018، كان مانولو ما يزال يعمل سائق حافلة، قبل أن يطلب إجازة من الشركة التي كان يعمل فيها، قائلا: “كنت أستيقظ في الخامسة صباحًا، أقود الحافلة طوال اليوم، أنهي دوامي نحو الرابعة، ثم أذهب مباشرة إلى التدريب، أعود إلى المنزل في الثامنة مساءً، وعندما كنت أدرس للحصول على رخصة التدريب، كنت أعمل في الليل، الناس يرون ما وصلت إليه الآن، لكن لا أحد يرى ما كان خلف الكواليس”.

وتابع موضحًا كيف غيّر القدر مسار حياته: “كنت محظوظًا عندما وصلت إلى الدرجة الثانية ب، إذ بدأت حينها أعيش من كرة القدم. كثيرون لا يستطيعون ذلك، ثم يأتي ذلك القرار المصيري الذي يجب أن تتخذه بدعم عائلتك: هل سأغامر وأصبح مدربًا فعلًا؟ أم أختار وظيفة مستقرة؟”.

وفي عام 2020، كتب مانولو واحدة من أولى مفاجآته الكبيرة: قاد بادالونا، فريقه آنذاك في الدرجة الثانية ب، إلى إقصاء خيتافي من كأس الملك، ثم درّب بينيا ديبورتيفا في الدرجة الرابعة، وقادها إلى مرحلتين متتاليتين من الملحق المؤهل للترقي، وفي يوليو 2023، تولّى تدريب الفريق الرديف لإسبانيول، رغم أن العرض المالي كان أقل مما قدمته له أندية أخرى في نفس الدرجة”.

لكن بعد عام واحد فقط، حدث ما لم يكن في الحسبان، كان الفريق الأول لإسبانيول في الدرجة الثانية وتولى تدريب الفريق وقاده للدرجة الأولى.

 

 

التغير الهائل في حياته

ويتأمل المدرب الإسباني التحول الهائل في مسيرته، مشددا: “مرّت ثلاثة عقود، وكل شيء تغيّر، كنت أعمل وحدي أو مع مساعد واحد، والآن هناك طاقم كامل خلفي وموارد لم أكن أحلم بها، كنت أدرب أمام مئات المشجعين، والآن أمام عشرات الآلاف، وأزور أكبر الملاعب في العالم”.

ورغم كل ذلك، ما زال يشعر بالرهبة نفسها عند لحظة ما قبل انطلاق المباراة: “تلك اللحظة الصامتة في الملعب قبل صافرة البداية، ما زالت تثير القشعريرة داخلي”.

وعن التغيير المالي في حياته، يضحك غونزاليس قائلًا: “ليس الأمر كما لو أن الأصفار في راتبي تشبه أصفار جوزيه مورينيو، لكن أول ما فكرت فيه كان سدّد ما تستطيع، وادّخر بعض المال، لأن الأيام لا تكون دائمًا جيدة”.

نقلاً عن: إرم نيوز

أحمد ناجي محرر الأخبار العاجلة بموقع خليج فايف