تتطلع الشعوب العربية وتترقب بآمال كبيرة أعمال ونتائج القمة العربية الطارئة، المقرر انعقادها في القاهرة يوم 4 مارس الجاري.
ونحن، أبناء السويس التي هزمت إسرائيل ودمرت دباباتها الأمريكية الصنع في شوارع المدينة بفضل المقاومة الشعبية، جنبًا إلى جنب مع أفراد الجيش الثالث الميداني والشرطة المدنية في 24 أكتوبر 1973، نتساءل: هل ستخرج القمة الطارئة للقادة العرب بقرارات حاسمة ومواقف واضحة “وتستطيع”؟ أم أنها ستكون كغيرها، مجرد بيانات تنديد ومناشدات وتوصيات بلا تنفيذ؟!
نقاط الضعف الإسرائيلية والأمريكية بعد انتفاضة الأقصى
أولًا: ضعف إسرائيل
لا شك أن إسرائيل تعاني الآن من حالة ضعف وانكسار، رغم استخدامها المفرط للقوة ضد الأهداف المدنية، وسياسة الإبادة الجماعية من قتل وجرح وتدمير مفرط في قطاع غزة.
تكبد العدو خسائر بشرية جسيمة، حيث قُتل الآلاف من الجنود والضباط، وأُصيب عشرات الآلاف، فضلًا عن الخسائر العسكرية المتمثلة في تدمير الدبابات والآليات، والفشل العسكري والاستخباراتي، باعتراف جيش الاحتلال الإسرائيلي نفسه، كما نشرته الصحف والقنوات الإسرائيلية يوم 27 فبراير 2025، والتي طالبت بمحاكمة القيادة السياسية برئاسة نتنياهو أمام القضاء لمحاسبة المسؤولين عن التقصير والإهمال.
فقدان إسرائيل لمكانتها الدولية وتصاعد المظاهرات ضدها في مختلف العواصم العالمية.
الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي لحقت بها.
فضح ممارسات الجيش الإسرائيلي اللاأخلاقية، ما يشكل هزيمة قاسية على المستويين العسكري والأخلاقي.
ثانيًا: الضعف الأمريكي
انكشاف انحياز الولايات المتحدة السافر أمام المجتمع الدولي، ما أضرّ بمصداقيتها عالميًا.
خسائر مالية ضخمة، إذ تجاوزت قيمة المساعدات العسكرية لإسرائيل 400 مليار دولار، وفق تقديرات أمريكية، ما أثار انقسامات داخل المجتمع الأمريكي نفسه.
تزايد الخلافات بين واشنطن والاتحاد الأوروبي بسبب تضارب المصالح الاقتصادية.
تهديد الولايات المتحدة بالانسحاب من “الناتو” وعدة منظمات دولية، مثل منظمة الصحة العالمية، اليونسكو، الأونروا، المحكمة الجنائية الدولية، ومنظمة العدل الدولية، ما يعزز عزلتها الدولية.
تراجع سمعة أمريكا كدولة ديمقراطية، وهو ما كشفته أزمة اقتحام مبنى الكونغرس (الكابيتول)، باعتراف الأمريكيين أنفسهم.
رغم أن أمريكا وإسرائيل ليستا في حالة انهيار كامل، فإنهما تعانيان من ضعف واضح لا يمكن تجاهله.
مصادر القوة العربية التي يجب استغلالها
في الحديث عن الوضع العربي، لن نركز على نقاط الضعف، بل على أوراق القوة التي لم تُستخدم بعد في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة، ويمكن تفعيلها بذكاء لتحقيق موقف عربي أقوى خلال القمة الطارئة.
أولًا: القوة الاقتصادية
الأموال العربية الضخمة التي تعتمد عليها الولايات المتحدة وإسرائيل عبر تجارة المنتجات والسلع والخدمات، حيث تقدر قيمة هذه التعاملات التجارية بالمليارات سنويًا.
الودائع المالية العربية في البنوك العالمية، والاستثمارات العربية في المشروعات والشركات الكبرى، بما في ذلك العقارات والصناعة والسياحة.
ثانيًا: القوة السياسية والدبلوماسية
إعادة النظر في العلاقات السياسية مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وإلغاء الامتيازات الممنوحة لهما.
وقف التسهيلات التي تقدمها الدول العربية للسفن والطائرات الأمريكية والإسرائيلية، بما في ذلك العبور عبر الخليج العربي، خليج عدن، قناة السويس، والموانئ الاستراتيجية، والتي تدر مليارات الدولارات على واشنطن وتل أبيب.
استخدام القوة الدبلوماسية للضغط على المنظمات الدولية لعزل إسرائيل واعتبارها دولة مارقة.
ثالثًا: القوة العسكرية
وقف الصفقات العسكرية المشروطة التي تفرضها الولايات المتحدة على الدول العربية، والتي تقيد استخدامها للأسلحة.
تقليل المناورات والتدريبات المشتركة مع القوات الأمريكية، والتي قد تُستغل لأغراض استخباراتية.
إعادة النظر في التواجد العسكري الأمريكي بالمنطقة، حيث توجد قواعد أمريكية في 10 دول عربية (باستثناء تركيا ومصر).
رابعًا: رفض التطبيع مع إسرائيل
البدء بخطوات تدريجية مثل سحب السفراء، طرد الدبلوماسيين الإسرائيليين، إغلاق السفارات، وقطع العلاقات السياسية.
الضغط على المجتمع الدولي لإلزام إسرائيل بتحمل تكاليف إعادة إعمار غزة ولبنان وسوريا واليمن.
دعم القضية الفلسطينية دبلوماسيًا وإعلاميًا، وتأكيد حق المقاومة في مواجهة الاحتلال.
خطوات عملية لموقف عربي أقوى
1. المطالبة بتدخل قوى عالمية مثل الصين وروسيا والهند وإيران وكوريا الشمالية كضامنين لأي اتفاق للسلام.
2. تصعيد الجهود لعزل إسرائيل دوليًا، ودعم التحركات القانونية ضدها في المحكمة الجنائية الدولية.
3. فرض عقوبات اقتصادية تدريجية، مثل وقف تصدير البترول جزئيًا إلى الولايات المتحدة، ومنع استيراد الغاز من إسرائيل.
4. دعم الجهود الإعلامية التي نجحت في فضح جرائم إسرائيل، كما ظهر خلال تغطية أحداث “طوفان الأقصى”.
5. تشجيع المقاومة السياسية والشعبية، وفتح المجال أمام الشعوب العربية للتعبير عن رفضها للتطبيع.
6. تعزيز التحالفات مع القوى الدولية الصديقة مثل الصين، روسيا، الهند، وإيران، وتوسيع التعاون الاقتصادي والسياسي معها.
نجاحات عربية يجب البناء عليها
خلال الفترة الماضية، حقق الموقف العربي بعض النجاحات المهمة، منها:
إفشال مشروع تحالف إسرائيلي-أمريكي-عربي ضد إيران.
رفض السعودية للضغوط الأمريكية في قضايا البترول، واتخاذها قرارات مستقلة.
عدم استقبال الرئيس الأمريكي السابق بايدن، ورفض المشاركة في محادثات ثلاثية مع إسرائيل وأمريكا خلال الحرب على غزة.
الإجماع العربي على رفض التهجير القسري للفلسطينيين، والذي أكدته مصر، الأردن، السعودية، الإمارات، المغرب، تونس، وغيرها.
موقف المغرب العربي القوي في المحافل الدولية، وخاصة في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
ختاما.. القمة العربية تستطيع!
نؤكد من السويس المقاومة أن العرب يملكون أوراق قوة هائلة يمكن استخدامها بذكاء لتحقيق أهدافهم. المقاومة ليست فقط بالسلاح، بل أيضًا بالسياسة، والدبلوماسية، والاقتصاد، والإعلام. إن إدراكنا لمصادر القوة هذه، واستخدامها بحكمة، قد يجعل القمة العربية الطارئة “تستطيع” بالفعل، لا بالشعارات فقط.
وكما يقول المثل الشعبي: “المتغطي بأمريكا عريان”، وآخر دليل على ذلك زيلينسكي رئيس أوكرانيا، الذي تخلّت عنه واشنطن كما تخلّت عن غيره.
د. عبد الحميد كمال
برلماني سابق وباحث في العلوم السياسية
نقلاً عن : تحيا مصر
لا تعليق