في الثلاثين من يونيو، خرجت مصر كلها… خرجت من الظلام إلى النور، ومن الاختطاف إلى التحرير، ومن الغياب إلى الحضور. خرج الشعب ليقول كلمته مدويّة: هذه الدولة لن تُحكم بالإكراه، ولن تُختزل في جماعة، ولن تُقاد إلا بإرادة المصريين. لم تكن ثورة 30 يونيو مجرد هبّة غضب، بل كانت معركة وجود، دفع فيها أبناء هذا الوطن أثمن ما يملكون، أرواحهم.
في تلك اللحظة، لم يكن هناك متفرجون. الجميع كان مشاركًا، إما في الميادين، أو في الخنادق، أو في مواقع المواجهة. رجال الشرطة، وأبطال القوات المسلحة، ومواطنون شرفاء لم يترددوا في الوقوف أمام رصاص الغدر والإرهاب، ليبقى الوطن. وما بين استعادة الدولة ومواجهة الفوضى، سقط شهداء وارتفعت أرواح، وامتلأت البيوت بالحزن النبيل، الذي لا يعرف الندم، لأنه حزن يختلط بالفخر.
لكن مصر، التي دفعت ثمنًا غاليًا لتبقى، لم تنس أبناءها الذين حرسوا البقاء بدمائهم. الدولة، التي تعافت واشتدت عودها، لم تُدر ظهرها لأسر الشهداء أو لمن عادوا من الميدان بعاهة مستديمة. وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي أول من رفع هذا المبدأ إلى مرتبة الواجب الوطني المقدس: لا أحد يُنسى… لا شهيد ولا مصاب، ولا طفل فقد والده دفاعًا عن الوطن.
لم تكن كلمات الرئيس في هذا السياق شعارات، بل تحولت إلى سياسات وإجراءات ومؤسسات. وجاء صندوق تكريم الشهداء وضحايا العمليات الحربية والإرهابية والأمنية ليجسد هذا الوفاء في صورة عملية، دائمة، ومنظمة. لم يكن إنشاء الصندوق مجاملة ظرفية، بل تعبيرًا عن قناعة راسخة بأن من ضحى بحياته من أجل مصر، من حقه أن تبقى أسرته تحت جناحها إلى الأبد.
لم يكن غريبًا أن يتبنى الرئيس هذا الصندوق بنفسه، وأن يُتابع خطواته ويحرص على تفعيله، ويصيغ له قانونًا واضحًا، ويحميه من البيروقراطية. بل الأهم أن يضع له روحًا، هي روح العدالة الاجتماعية الحقيقية: تعليم مجاني لأبناء الشهداء في أفضل المدارس والجامعات، دعم صحي شامل للمصابين، مساكن محترمة لأسر من قدموا أرواحهم من أجل أن نعيش، وفرص عمل تُراعي الجراح وتُكمل الطريق.
في كل لقاء يجمع الرئيس بأسر الشهداء، في كل مشهد يحمل طفلاً من أبناءهم، في كل دمعة يُمسك بها يد أم فقدت ابنها، يتجدد المعنى: نحن لا نكرم الشهداء فقط، بل نعيش بفضلهم. الوطن لا ينسى رجاله، ولا يُفلت أبناءهم في متاهة الحياة، بل يبني لهم جسورًا من الدعم، والكرامة، والتقدير.
وإذا كانت ثورة 30 يونيو قد أنقذت الوطن من الضياع، فإن صندوق الشهداء والمصابين أنقذ الوفاء من الذبول، وجعل من تضحيات الأبطال حكاية مستمرة لا تنتهي عند التشييع، بل تبدأ منه. لقد صارت مصر دولة تعرف جيدًا من يقف في ظهرها، ومن يكتب لها فجرها بدمه.
وفي نهاية المسيرة، تبقى الحقيقة الكبرى ناصعة: أن مصر لا تنسى أبناءها، ولا تتنكر لمن ارتقوا فداءً لها، ولا تغلق أبوابها في وجه من قدموا لها حياتهم مهرًا للحرية. لقد ضرب الرئيس عبد الفتاح السيسي أروع الأمثلة في الوفاء، ليس فقط بالقرارات والسياسات، بل بحضوره الإنساني، وحرصه الدائم على أن يظل أبناء الشهداء في قلب الدولة، لا على هامشها. هذا رئيس لا يكتفي بتكريم الشهداء في المناسبات، بل يحمل ذكراهم معه في كل خطوة، ويجعل من دعم أسرهم عهدًا لا يسقط بالتقادم.
أما إدارة صندوق تكريم الشهداء والمصابين، فقد أثبتت أن الإدارة الوطنية الواعية تستطيع أن تصنع الفارق، وأن تحفظ الكرامة، وتُقدّم الرعاية، وتُجسد معنى أن تكون الدولة سندًا حقيقيًا لمواطنيها. تحية لكل من يعمل في هذا الصندوق بإخلاص، ولكل يدٍ امتدت بالمساعدة، ولكل قلبٍ آمن بأن الشهادة لا تنتهي عند الميدان، بل تبدأ مسؤوليتها في البيت الذي تركه الشهيد خلفه.
هؤلاء هم رجال مصر… وهذا هو وجهها الحقيقي… وهذه هي الدولة التي نحلم بها: قوية، عادلة، وفية، لا تنسى من وقفوا ليحرسوا فجرها.
نقلاً عن : تحيا مصر
لا تعليق