73 عاماً مرت على ثورة 23 يوليو 1952، لكنها تظل حدثاً استثنائياً في تاريخ مصر الحديث، غير موازين القوى السياسية والاجتماعية في البلاد.
تعود الشرارة التي أشعلت الثورة إلى عقود من الاستعمار البريطاني المُهين، والفَساد المُتفشي في القصر الملكي، وسيطرة النخبة الإقطاعية على مقدرات الاقتصاد، في وقت عانت فيه الغالبية العظمى من الشعب المصري من الفقر والمرض والجهل، وتفاقمت المظالم بعد هزيمة 1948 في حرب فلسطين، التي كشفت عجز النظام الملكي وتواطؤه في “فضيحة الأسلحة الفاسدة”، مما أذكى الغضب في صفوف الجيش، ودفع الضباط الوطنيين إلى التحرك .
حركة الضباط الأحرار
في ظل هذه الأجواء المشحونة، ولدت حركة الضباط الأحرار كتنظيم سري داخل الجيش، قاده ضباط شبان يجمعهم الإحساس بالخطر على مستقبل الوطن. بدأت أولى اجتماعاتهم في منزل جمال عبد الناصر عام 1949، حيث اجتمعت خلية التأسيس التي ضمت ضباطاً من خلفيات فكرية متنوعة، لكنهم اتحدوا برؤية واحدة: إنقاذ مصر من براثن الفساد والهيمنة الأجنبية.
بحلول عام 1950، انتُخب عبد الناصر رئيساً للهيئة التأسيسية، وفي منعطف حاسم، انضم اللواء محمد نجيب إلى التنظيم كقائد رمزي نظراً لرتبته العسكرية المرموقة وتاريخه المشرف، ما منح الحركة مصداقية أوسع في أوساط الجيش .
ولم تكن الحركة مجرد مجموعة صغيرة؛ بل نمت لتضم نحو 350 ضابطاً، موزعين على وحدات عسكرية حيوية مثل المدرعات والمشاة، وهو ما مكنهم من السيطرة على مفاصل القوات المسلحة عندما حانت ساعة الصفر، ولعل اجتماعاتهم السرية في منزل جد عبد الناصر بقرية بني مر في أسيوط – حيث كانوا يجلسون على “مسطبة طينية” تحت سقف من الجريد – ترمز إلى تواضعهم وارتباطهم بطبقات الشعب التي ناضلوا من أجلها .
ليلة 23 يوليو
بدأت الأحداث في منتصف ليل 23 يوليو 1952 بتحرك غير متوقع قام به الضابط يوسف صديق ومجموعته، حيث سيطر على مبنى قيادة الجيش بكوبري القبة قبل الموعد المحدد بساعة كاملة، ما أربك الخطة الأصلية.
في تلك الأثناء، كان جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر يجتمعان في منزل الأخير بمصر الجديدة بالقرب من سينما “روكسي”، حيث تقرر تأجيل تحرك الوحدات العسكرية إلى الواحدة صباحاً لأسباب تكتيكية.
لكن الصدفة لعبت دوراً حاسماً، فبينما هما يترقبان، شاهدا قوة مسلحة يقودها الضابط عبد المجيد شديد تتقدم نحو أهدافها قبل الموعد الجديد، وعند استجوابه، تبين أنه لم يتلقَ قرار التأجيل.
في لحظة قرار جريئة، أمر عبد الناصر باستغلال وجود تلك الوحدة الجاهزة للهجوم الفوري على مبنى القيادة العامة للجيش في كوبري القبة، زنجحت المجموعة في اقتحام المبنى واعتقال القيادات الموالية للملك فوراً، بينما تحركت وحدات أخرى للسيطرة على الإذاعة والمطارات ومراكز الشرطة في القاهرة. بحلول الفجر، كانت العاصمة تحت سيطرة الثوار تماماً .
بيان الثورة الأول بصوت السادات
عند الساعة السابعة صباحاً، أذاع أنور السادات البيان الأول من الإذاعة المصرية، معلناً قيام “الحركة المباركة” بقيادة اللواء محمد نجيب، ومحدداً أهدافها بـ”تطهير البلاد من الفساد والطغيان”.
لم تكن العملية خالية من المخاطر؛ إذ حاولت بعض الوحدات الموالية للملك في الإسكندرية التصدي، لكن القيادة الذكية للثوار أحبطت التحركات المضادة. وبعد ثلاثة أيام من المواجهات السياسية والعسكرية الخاطفة، وجد الملك فاروق نفسه معزولاً، فاضطر إلى توقيع وثيقة التنازل عن العرش في قصر رأس التين لصالح ابنه الرضيع أحمد فؤاد الثاني، ثم غادر على ظهر اليخت الملكي “المحروسة” إلى منفاه بإيطاليا، وفي 18 يونيو 1953، أُعلنت الجمهورية رسمياً، لتنتهي بذلك أسرة محمد علي التي حكمت مصر منذ 1805 .
انجازات يوليو.. من الإصلاح الزراعي إلى القومية العربية
لم تكن الثورة مجرد تغيير في رأس النظام؛ بل قدمت رؤية اقتصادية واجتماعية ثورية تجسدت أولاً في “قانون الإصلاح الزراعي” (سبتمبر 1952)، الذي قلص الملكيات الكبرى وحددها بـ 200 فدان للفرد، وصادر الفائض ليعاد توزيعه على صغار الفلاحين. هذا القانون لم ينقل الفلاح من حالة العبودية شبه الإقطاعية إلى ملكية الأرض فحسب؛ بل أسقط القوة الاقتصادية للنخبة الإقطاعية المتواطئة مع القصر، وأنشأ تعاونيات زراعية وفرت البذور والمعدات للمزارعين الجدد .
وعلى الصعيد السياسي، حققت الثورة انتصاراً تاريخياً بجلاء آخر جندي بريطاني عن أرض مصر في 18 يونيو 1956، منهية 74 عاماً من الاحتلال، لكن التحدي الأكبر جاء مع تأميم قناة السويس في يوليو 1956، الذي أشعل “العدوان الثلاثي” (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل). رغم الخسائر العسكرية، خرجت مصر من الأزمة بانتصار سياسي أعاد لها السيطرة الكاملة على القناة، محوّلةً الهزيمة العسكرية إلى انتصار معنوي هائل عزز مكانتها العربية .
كما تبنت الثورة مشروعاً قومياً عربياً طموحاً، تجلى في دعم حركات التحرر في الجزائر واليمن، وإعلان الوحدة مع سوريا عام 1958، وإن كانت لم تدم طويلاً.
وفي مجال التصنيع، أقامت مشاريع عملاقة مثل مجمع الحديد والصلب في حلوان، الذي أصبح رمزاً للنهضة الصناعية، إلى جانب توسيع مجانية التعليم والصحة، مما أدى لظهور طبقة وسطى جديدة قوية .
مواجهة الإخوان والانتصار للهوية
واجهت الثورة معارضة شرسة من جماعة الإخوان المسلمين منذ الأشهر الأولى. رغم أن العلاقات بدأت بتعاون تكتيكي، إلا أن الخلافات تفجرت عندما رفضت قيادة الثورة تحويل مصر إلى “دولة دينية”. في أكتوبر 1954، تعرض عبد الناصر لمحاولة اغتيال في ميدان المنشية بالإسكندرية أثناء إلقاء خطاب، نجا منها بأعجوبة.
وبعد 73 عاماً، تظل ثورة يوليو نقطة تحول في مسار مصر الحديث: أنهات عصر الإقطاع والاستعمار، وكرست مفاهيم العدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني، وألهمت حركات التحرر في أفريقيا وآسيا، ونجاحها المبكر يعود إلى قدرتها على تمثيل “الإرادة الشعبية المكبوتة” ضد أنظمة فاسدة .
نقلاً عن : تحيا مصر
- تفاصيل بكالوريوس علوم التمريض التخصصي بجامعة حلوان - 23 يوليو، 2025
- مصير محمد صبحي يُحسم خلال أيام.. الاستمرار أو الرحيل عن الزمالك - 23 يوليو، 2025
- إجازة 27 ساعة تبدأ غدا مفاجأة للموظفين بالحكومة والقطاع الخاص - 23 يوليو، 2025
لا تعليق