قوة النار تسبق طاولة التفاوض.. الأهداف الخفية وراء التصعيد الإسرائيلي في سوريا


في ساعات متأخرة من مساء الأربعاء 27 أغسطس 2025، شهدت منطقة الكسوة جنوب غرب دمشق سلسلة من التطورات العسكرية غير المسبوقة، حيث نفذت القوات الإسرائيلية عملية إنزال جوي هي الأولى من نوعها منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024. 

هذه العملية، التي أعقبت غارات جوية مكثفة أسفرت عن مقتل ستة جنود سوريين، تثير تساؤلات عميقة حول الاستراتيجية الإسرائيلية في سوريا والتوقيت الحرج لهذه العمليات.

عملية الكسوة

وفقاً لوسائل الإعلام السورية الرسمية، بدأت الحوادث عندما عثرت دورية للجيش السوري على أجهزة مراقبة وتنصت مموهة في منطقة جبل المانع الاستراتيجي خلال جولة ميدانية يوم الثلاثاء. 

وعند محاولة التعامل مع هذه الأجهزة، تعرض الموقع لهجوم جوي إسرائيلي مفاجئ. ثم تطور الأمر مساء الأربعاء إلى سلسلة غارات جوية متواصلة أعقبها إنزال جوي نفذته أربع مروحيات إسرائيلية، حيث هبطت قوات خاصة لإجراء عملية تفتيش في الموقع.

ويعد جبل المانع موقعاً استراتيجياً بالغ الأهمية، حيث كان في السابق قاعدة عسكرية سورية ومستودعاً ضخماً للصواريخ التابعة لحزب الله، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، حيث يطل الموقع على المنطقة الجنوبية ويوفر نقطة مراقبة حيوية لدمشق والجنوب السوري، مما يفسر الحرص الإسرائيلي على منع وقوع أي معدات أو أجهزة متطورة في أيدي الجيش السوري الجديد.

 

الأبعاد الاستراتيجية للضغط الإسرائيلي على سوريا

منع إعادة بناء القدرات العسكرية السورية

تشير التحليلات إلى أن إسرائيل تسعى بشكل حثيث إلى منع إعادة بناء القدرات العسكرية السورية، خاصة بعد سقوط نظام الأسد وتشكيل حكومة جديدة بقيادة أحمد الشرع.

 دمرت إسرائيل أكثر من 200 موقع عسكري سوري خلال الأشهر الماضية، بما في ذلك المطارات العسكرية وأنظمة الدفاع الجوي والدبابات، في محاولة لإبقاء الأجواء السورية مفتوحة أمام طيرانها دون عوائق.

الضغط على الحكومة السورية الجديدة

يرى الخبراء  أن هذه العمليات تمثل ضغطاً عسكرياً وسياسياً ممنهجاً على حكومة الشرع للإسراع في المفاوضات الجارية بين الطرفين، فيما تتحدث تقارير عن قرب توقيع اتفاق أمني برعاية أمريكية في سبتمبر المقبل، وتسعى إسرائيل إلى تعزيز موقفها التفاوضي من خلال إظهار قدرتها على الوصول إلى أي موقع في سوريا.

مواجهة النفوذ الإيراني والتركي

لا تزال إسرائيل ترى في النفوذ الإيراني في سوريا تهديداً وجودياً لأمنها، وتعمل على منع نقل أي أسلحة متطورة إلى حزب الله عبر الأراضي السورية. بالإضافة إلى ذلك، تثير المذكرات الأخيرة للتعاون العسكري بين سوريا وتركيا مخاوف إسرائيلية من تمدد نفوذ تركي نحو مناطق استراتيجية مثل ريف دمشق والجنوب السوري.

السياق الإقليمي الأوسع

في خضم هذه التطورات العسكرية، تتزايد التسريبات حول مفاوضات أمنية بين سوريا وإسرائيل بوساطة أمريكية وخليجية. على الرغم من نفي دمشق لهذه المزاعم، فإن تقارير تشير إلى عقد لقاء بين وزير الخارجية السوري ووفد إسرائيلي في باريس في 19 أغسطس، حيث نوقشت ملفات خفض التصعيد ومراقبة وقف إطلاق النار في السويداء وإعادة تفعيل اتفاقية فض الاشتباك.

اتفاقية 1974، تمت في أعقاب حرب أكتوبر، تنص على وقف إطلاق النار وإنشاء منطقة عازلة تحت إشراف الأمم المتحدة، فيما يعود الاهتمام المتجدد بهذه الاتفاقية في سياق التصعيد الإقليمي المتزايد على الجبهة الشمالية لإسرائيل، ومحاولة واشنطن تثبيت الاستقرار في المنطقة.

الرؤية الإسرائيلية للأمن القومي

وفقاً لتحليلات معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، فإن حرب “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023 شكلت صدمة عميقة للمفاهيم الأمنية الإسرائيلية التقليدية. الردع الإسرائيلي لم يعد قائماً على القوة العسكرية وحدها، بل على مزيج من القوة العسكرية والاقتصادية والمناعة الاجتماعية والدبلوماسية، و في هذا الإطار، فإن العمليات في سوريا تمثل تطبيقاً لمبدأ “الوقاية” الذي ينفذ عبر الاستخبارات والقدرات العملياتية الخاصة لمنع تعاظم التهديدات قبل اكتمالها.

مستقبل التوغلات الإسرائيلية

كل المؤشرات تكشف أن الحرب الخفية بين إسرائيل وسوريا ستستمر، إن لم تتوسع. فإسرائيل، كما صرح وزير دفاعها يسرائيل كاتس، تعمل “ليل نهار” في كل مكان يقتضيه أمنها، بينما العمليات مثل التي شهدتها الكسوة ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة من المواجهات التي تجمع بين الضربات الجوية وعمليات الاستخبارات والإنزالات الجوية المحدودة.

وتسعى إسرائيل إلى نزع السلاح الثقيل والمتوسط من كامل الجنوب السوري حتى الحدود الإدارية لمحافظة دمشق، وهي مستعدة لاستخدام أي تقنية عسكرية أو تنفيذ توغل بري للحفاظ على أمنها القومي. الرسالة الموجهة لحكومة الشرع واضحة: لن تسمح إسرائيل بإعادة بناء أي قدرات عسكرية سورية يمكن أن تشكل تهديداً لها.

 


نقلاً عن : تحيا مصر

أحمد ناجيمؤلف

Avatar for أحمد ناجي

أحمد ناجي محرر الأخبار العاجلة بموقع خليج فايف