تحل اليوم الأحد ذكرى رحيل موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، الذي توفي يوم 4 مايو 1991، تاركا خلفه إرثًا موسيقيا خالدًا، لكن خسارة الفن لم تكن في توقف ألحانه وأغنياته فقط، بل في حضوره الإنساني كأستاذ ومرشد كانت كلماته تضيء طريق كل من اقترب منه، لم يكن عبد الوهاب مجرد فنان، بل كان مدرسة تقدم النصيحة كما تقدم اللحن، وكأن غيابه لم يطفئ صوتا موسيقيا فقط، بل أسكت لسانا كان ينبض بالحكمة والخبرة والرؤية.
عبد الوهاب الناصح الأمين للفنانين
وتحدث موقع تحيا مصر عن رحيل موسيقار الأجيال عبد الوهاب لم يكن فقط غيابا لمبدع كبير، بل خسارة لعقلية موسيقية وإنسانية كانت تفيض بالحكمة والتوجيه، وفي ندوة عقدت بمهرجان أسوان السينما المرأة، كشفت الفنانة لبلبة عن واحدة من النصائح الذهبية التي وجهها لها عبد الوهاب في بداياتها، حين واجهت شكوكا من بعض أقاربها حول استمرار نجاحها الفني، لجأت إلى الموسيقار الكبير الذي لم يعطها فقط كلمات تشجيع، بل وضع أمامها مبدأً فنيًا واضحًا:
قال عبد الوهاب للفنانة لبلبة: “الفنان لازم يتعلم يقول لأ.. ميقبلش بأي حاجة، كل نفس بيتنفسه لازم يفكر فيه علشان يفضل مكمل وناجح”، وكانت تلك النصيحة كفيلة بأن تغير مسارها، وتمنحها البوصلة لاختيار أدوارها بعناية.
ولم يكن عبد الوهاب بخيلًا في حكمته، بل كثيرًا ما مد يد النصيحة لتصحيح المسارات الفنية حتى لكبار الموسيقيين، وفي لقاء مع الإعلامي الراحل مفيد فوزي، روى الموسيقار محمد الموجي كيف أن عبد الوهاب أنقذ لحن “اسأل روحك” حين نصحه بخفض الطبقة الموسيقية “تون ونص” لتناسب صوت أم كلثوم في سنواتها الأخيرة، دون أن تفقد الأغنية هيبتها.
غضب عبد الوهاب من عمار الشريعي
الناحية التربوية في شخصية عبد الوهاب تجلت بوضوح في قصة رواها الموسيقار عمار الشريعي، الذي قال إنه لم يكن يقدر موسيقى سيد درويش حق قدرها حتى جلس مع أستاذه عبد الوهاب، لم يغضب الأخير فقط من رأي تلميذه، بل أمسك العود وغنى له “الحبيب للهجر مايل”، ثم أمره أن يغني معه ليشعر باللحن قال له: “بص لسيد درويش.. متتسرعش في الحكم.”
هذه اللحظة كانت نقطة تحول في مسار عمار الشريعي، الذي خرج من عند أستاذه ليبدأ في دراسة سيد درويش من جديد باهتمام وشغف غير مسبق.
فن النصيحة في الحياة أيضًا
لم تقتصر نصائح عبد الوهاب على أهل الفن فقط، بل طالت جوانب الحياة اليومية، وخاصة ما يتعلق بالمرأة، ففي حوار قديم له، تحدث عن أهمية التناسق في المظهر، ورفض المبالغة في الزينة، ونبه إلى الاعتدال في استخدام المكياج وتناسق الألوان. قائلا:”من ضعف الذوق أن تتحلى المرأة بأقراط طويلة أو ثقيلة، لأنها تعرقل حركتها وتظهرها بمظهر متكلف.”

نصائحه لأحمد عدوي
كشفت زوجة الفنان الراحل أحمد عدوية في حوار مع الإعلامية لميس الحديدي عن إحدى مقولاته الشهيرة في مواجهة النقد بعدما تعرض زوجها لانتقادات إعلامية، إذ قال له: “ضع الجورنال الذي يهاجمك تحت قدمك، هل ستعلو أم تهبط؟ فلا تحزن من الانتقادات.”
هذه المقولة تلخص فلسفة عبد الوهاب في الحياة كما في الفن، فهو يؤمن بالثقة بالنفس، وعدم الالتفات للضجيج.
نصائحه لمحمد ثروت
كما قال الفنان محمد ثروت في تصريحات سابقة إن الموسيقار محمد عبد الوهاب كان على علاقة قوية به، وكان يقدم له العديد من النصائح الفنية، أبرزها أهمية اختيار الكلمات بعناية، وعدم القبول بأي عمل لمجرد الظهور، مشيرًا إلى أن عبد الوهاب قال له ذات مرة: “اخترتك لأن شخصيتك تناسب نوع الغناء اللي بقدمه، وصوتك يليق بالكلمة المحترمة”.
كما أشار ثروت إلى أن عبد الوهاب لحن له عددًا من الأغنيات خلال مشواره الفني، منها: “مصريتنا”، و”سهرانين”، و”عاشت بلدنا”، مؤكدًا أن تعامله مع عبد الوهاب لم يكن مجرد تعاون فني، بل كان بمثابة تلمذة على يد أستاذ يؤمن بأن الفن رسالة لا تقبل التنازل عن الجودة والذوق الرفيع.
التاريخ لا ينسى
يشار إلى أن محمد عبد الوهاب ولد في 13 مارس 1901 بحي باب الشعرية بالقاهرة، التحق بفرقة فوزي الجزايرلي في طفولته، ثم تعلم أصول الموسيقى في معهد الموسيقى العربية، وبدأ الغناء في سن العاشرة، ألف ولحن وغنى، لكنه أيضا علم، وصنع أجيالا من الفنانين الذين حملوا إرثه، ليس فقط في الموسيقى، بل في الفكر والرؤية والمبدأ.
نقلاً عن : تحيا مصر
لا تعليق