كشفت خمسة مصادر مطلعة لوكالة «رويترز»، الثلاثاء، عن إجراء اتصالات مباشرة ولقاءات وجهاً لوجه بين مسؤولين إسرائيليين وسوريين في الأسابيع الأخيرة، في خطوة تُعد تطوراً غير مسبوق في العلاقات بين البلدين، اللذين لا تربطهما علاقات رسمية منذ عقود.
وجاءت المحادثات في سياق جهود أمريكية لتشجيع الحكام الجدد في دمشق على الانفتاح نحو إسرائيل، وتزامنت مع تراجع ملحوظ في الغارات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية.
قيادة سورية جديدة وخلفية أمنية
وفقاً لمصدرين سوريين، وآخرين غربيين، ومصدر مخابراتي من دولة إقليمية، فإن الاتصالات المباشرة تُعتبر استكمالاً لمحادثات غير مباشرة جرت عبر وسطاء، بدأت بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر الماضي على يد «هيئة تحرير الشام».
وأشارت المصادر، التي طالبت عدم الكشف عن هوياتها بسبب حساسية الموضوع، إلى أن الجانب السوري مثّله المسؤول الأمني البارز «أحمد الدالاتي»، الذي عُيّن محافظاً لمحافظة القنيطرة المتاخمة لهضبة الجولان المحتلة، قبل أن يُنقل مؤخراً لقيادة الأمن الداخلي في محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية.
من الجانب الإسرائيلي، لم تُكشف هويات المشاركين، لكن مصدرين أشارا إلى أنهم مسؤولون أمنيون رفيعو المستوى، فيما تُعتبر الخطوة مفاجئة في ضوء التاريخ العدائي بين البلدين، لا سيما مع استمرار إسرائيل في اعتبار سوريا دولة معادية.
رفع العقوبات وإرباك الاستراتيجية الإسرائيلية
ألقى التقارب الأمريكي السوري بقيادة الرئيس دونالد ترامب بظلاله على المشهد، فبعد لقاء ترامب مع الرئيس السوري الجديد «أحمد الشرع» في 14 مايو الجاري، أعلن البيت الأبيض خططاً لرفع العقوبات عن دمشق، واصفاً الفرصة بـ«حقيقية لإعادة توحيد سوريا».
ووفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز»، أدى التحوّل إلى إرباك الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، وتوقُّف شبه كامل للغارات الإسرائيلية التي كانت تستهدف مواقع سورية منذ أشهر.
وكانت إسرائيل قد كثّفت عملياتها العسكرية في سوريا بعد سقوط الأسد، حيث نفذت أكثر من 700 غارة جوية بين ديسمبر الماضي ومايو الحالي، استهدفت أسلحة ثقيلة ومنظومات دفاع جوي، بل وضربات نادرة قرب القصر الرئاسي في دمشق. لكن هذه الحملة توقفت فجأة بعد اللقاء الأمريكي السوري، في خطوة وصفتها مصادر إسرائيلية بأنها “قلبت السياسة الإقليمية رأساً على عقب”.
دوافع إسرائيلية بين حماية الدروز ومصالح أمنية أعمق
رغم تبرير إسرائيل لغاراتها بدعوى حماية الطائفة الدرزية في سوريا، التي تربطها علاقات وثيقة مع الدولة العبرية، فإن الغارات تجاوزت مناطق تواجد الدروز، ففي أبريل الماضي، قدّمت إسرائيل دعماً محدوداً للمقاتلين الدروز في السويداء إثر اشتباكات دامية، لكن مصادر عسكرية إسرائيلية أكدت أن الضربة القريبة من القصر الرئاسي في مايو كانت “تحذيراً للشرع”.
من جهة أوسع، يرى محللون أن إسرائيل تسعى لمنع تمركز جماعات معادية قرب هضبة الجولان، والحد من النفوذ التركي المتنامي في سوريا، خاصة بعد دعم أنقرة السياسي والعسكري لحكومة الشرع.
وفي هذا الصدد، قالت «كارميت فالنسي»، الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: «كان التركيز على منع انتقال أسلحة استراتيجية من عهد الأسد إلى جماعات معادية».
انتقادات خارجية وداخلية ومراجعة الاستراتيجية
واجهت التحركات الإسرائيلية انتقادات دولية، حيث دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى احترام سيادة الدول المجاورة، قائلاً: «لا يُبنى الأمن بانتهاك السيادة». داخلياً، بدأ مسؤولون إسرائيليون بمراجعة جدوى الاستراتيجية الحالية. فبحسب «تمير هايمان»، الرئيس السابق لاستخبارات الجيش الإسرائيلي: “بعض الضربات نفذت بدافع الزخم، وليس التخطيط”.
وعود بالسلام والشكوك الإسرائيلية
رغم تأكيد الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع على سعيه لـ«نظام مستقر وشراكة مع الغرب»، لا تزال إسرائيل متوجسة من خلفيته الموصولة بفصائل متشددة، حيث ووصف وزير الخارجية الإسرائيلي «جدعون ساعر» الحكومة السورية بأنها «جهادية ترتدي بدلات رسمية»، بينما حذّر يعقوب أميدرور، مستشار الأمن القومي السابق، من تكرار سيناريو الحوثيين على الحدود الشمالية.
نقلاً عن : تحيا مصر
لا تعليق